الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالراجح أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة ولم يسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم حكمه حكم أهل الفترة فيمتحن في الآخرة كما دلت على ذلك أحاديث، وطول ابن كثير في تقريره في تفسير قوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ـ وأما في أحكام الدنيا فهو كافر بلا شك، فلا يجوز تفضيله في الحال على أحد من المسلمين وإن كان هذا المسلم عاصيا، لأن المسلم خير من الكافر قطعا، وإن عمل الكافر ما عمل من الخير، وأما في الآخرة: فإن بعض هؤلاء الممتحنين ممن يدخل الجنة دون أن يعذب في النار، فإنهم إذا أمروا بدخول النار أطاع من علم الله أنه كان سيطيع في الدنيا، وكانت عليه النار بردا وسلاما، ففي المسند من حديث الأسود بن سريع ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ والصبيان يقذفوني بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فو الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا.
وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: فمن دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا.
فهذا الذي دخلها فكانت عليه بردا وسلاما حاله في المآل خير من حال المسلم العاصي الذي دخل النار ليقضي ما عليه ثم مآله أن يخرج منها، وانظر الفتوى رقم: 42857، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.