الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسلس البول هو خروج البول بصورة لا إرادية، وهذا إن كان خروجه يستغرق جميع الوقت بحيث يعلم المصاب به أنه لا يجد في أثناء وقت الصلاة زمنا يتسع لفعل الصلاة بطهارة صحيحة، فإنه يتحفظ بشد خرقة أو نحوها على الموضع إن لم يتضرر، ويتوضأ بعد دخول الوقت ويصلي بهذا الوضوء الفرض وما شاء من النوافل، وانظر الفتوى رقم 119395. وأما الجمع بين الصلاتين للمصاب بسلس البول فيجيزه الحنابلة.
قال ابن قدامة: وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ. انتهى.
والحديث المشار إليه هو قول الموفق قبل ذلك بيسير: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، لَمَّا كَانَتَا مُسْتَحَاضَتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلِ الْعَصْرِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. فَأَبَاحَ لَهُمَا الْجَمْعَ لِأَجْلِ الِاسْتِحَاضَةِ. انتهى.
وإذا أراد صاحب السلس الجمع بين الصلاتين عملا بقول من يجوز ذلك من العلماء فإنه يجب عليه أن يرتب بين الصلاتين المجموعتين، وليس له أن يصلي الثانية قبل الأولى لأن الترتيب شرط في صحة الجمع، فلو صلى الثانية قبل الأولى وقد نوى جمع التأخير فيجب عليه أن يعيد الثانية بعد فعل الأولى لأنها لم تجزئ عن الفرض.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بقي الشرط الرابع وهو الترتيب، فيشترط الترتيب بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، ولأن الشرع جاء بترتيب الأوقات في الصلوات فوجب أن تكون كل صلاة في المحل الذي رتبها الشارع فيه، ولكن لو نسي الإِنسان أو جهل أو حضر قوماً يصلّون العشاء وهو قد نوى جمع التأخير، ثم صلّى معهم العشاء ثم المغرب، فهل يسقط الترتيب في هذه الأحوال أو لا يسقط؟ المشهور عند فقهائنا رحمهم الله: أنه لا يسقط، وإن كانوا يسقطونه بالنسيان في قضاء الفوائت ، لكنهم هنا لا يسقطونه، ويجعلون الفرق أن الجمع أداء، والقضاء قضاء، فالأول في وقته والثاني خارج وقته، وبناء على هذا لو أن الإِنسان قدم الثانية على الأولى سهواً أو جهلاً أو لإِدراك الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب، فإن الجمع لا يصح فماذا يصنع في هذه الحال؟ الجواب: الصلاة التي صلاها أولاً، لم تصح فرضاً، ويلزمه إعادتها. مثال ذلك: رجل كان ناوياً جمع تأخير، ثم دخل المسجد ووجد ناساً يصلّون العشاء فدخل معهم بنية العشاء، ولما انتهى من العشاء صلّى المغرب، نقول: صلاة العشاء لا تصح؛ لأنه قدمها على المغرب، والترتيب شرط فيصلّي العشاء مرة ثانية والمغرب صحيحة، ومعنى قولنا: لا تصح، أي: لا تصح فرضاً تبرأ به الذمة، ولكنها تكون نفلاً يثاب عليه. انتهى.
وعند الشافعية لا يجب الترتيب بين الصلاتين المجموعتين جمع تأخير على الصحيح، لكنهم لا يجيزون الجمع لصاحب السلس.
قال النووي في المنهاج: وَإِذَا أَخَّرَ الْأُولَى لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ، وَنِيَّةُ الْجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَإِلَّا فَيَعْصِي. وَتَكُونُ قَضَاءً. انتهى.
وإذا علمت هذا فإن الراجح من قولي العلماء عدم اشتراط اتحاد نية الإمام والمأموم، فيجوز أن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر، والمغرب خلف من يصلي العشاء، ولبيان ما يفعله من أراد صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء وهل الأفضل ذلك أو لا، راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 121331 124052، 133021 .
والله أعلم.