الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتتبع الرخص معناه أن يأخذ المكلف بالأسهل حيث وجد وفي أي المذاهب كان من غير نظر إلى الدليل، بل اتباعا للهوى واختيارا بمجرد التشهي، وهذا ولا شك أمر مذموم، لأنه يؤدي إلى انخلاع ربقة التكاليف وانحلال عقدة الدين، ولذا قال فيه السلف: من تتبع رخصة كل عالم فقد جمع الشر كله.
وأما من أخذ ببعض الرخص للحاجة والمشقة فهذا غير داخل في الذم، كما بيناه في الفتوى رقم: 134759.
وكذا من أخذ بالأيسر حيث اشتبه عليه الحكم، فإن كان مجتهدا ولم يترجح لديه قول لقوة الأدلة وتكافئها فإن العلماء اختلفوا في الواجب عليه، ومنهم من رأى أنه يأخذ بالأيسر، لأن الدين مبني على التيسير والله ما جعل علينا في الدين من حرج، وليس هذا تتبعا للرخص، لأنه إنما أخذ بالأيسر حين خفاء الدليل، وكذا العامي إذا سأل علماء يثق بهم فاختلفوا عليه في الفتوى ولم يكن أحدهم عنده أوثق من الآخر، فاتباعه للأيسر في هذه الحال ليس تتبعا للرخص، وفي هذه المسألة خلاف وأقوال انظرها في الفتوى رقم: 169801.
وزيادة للبيان ننقل هنا ما كتبه الدكتور عياض السلمي حول هذا الموضوع، قال حفظه الله: يُقصدُ بتتبُّع الرخص: الأخذُ بأخف الأقوال في المسائل الخلافية، وهذا العملُ قد يحصُل من مجتهدٍ أو مقلدٍ، فالحاصل من المجتهد لا يجوز إلا أنْ يؤدّيَه اجتهادُه إلى رجحانه مطلقاً، أو في صورةٍ من الصور التي سئلَ عنها، كما تقدم في التلفيق، وأما من المقلد: فإن التتبعَ للرخص لا يكونُ إلا ممن له علمٌ بالمذاهب، وقد أجازه بعضُ العلماء، والصوابُ منعُه، لأن فرضَ المقلد سؤالُ أهل العلم، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ { النحل43} ولأن تتبعَ الرخص يؤدّي إلى التحلُّل من رِبقة التكاليف الشرعية، وهو عملٌ بالهوى بدون دليل، ولهذا قال بعضُ العلماء: مَن تتبّع الرخصَ فقد تزندق، وينبغي أنْ يُعلمَ أن تتبعَ الرخص إنما يتحقّقُ في شأن مَن هذا ديدنُه في مسائل الخلاف، وأما من أخذ في مسألة أو مسألتين بالقول الأخفّ لحاجته إليه: فهذا قد اختُلف في صحّة عمله، بناءً على ما ذكرناه سابقاً في مسألة العامي إذا سأل أكثر من عالم فاختلفوا فماذا يصنع؟ وقد ذكرت في المسألة أقوال كثيرة، منها: أن له أنْ يأخذَ بالأسهل. انتهى.
والله أعلم.