الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربة كلام صحيح، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود، فتكون صلاته متناسبة في الطول والقصر، وليس معناه أن ركوعه وسجوده صلى الله عليه وسلم كان مساويا في المدة لقيامه، بل مجموع الروايات يدل على ما ذكرناه من أن المقصود حصول التناسب بين أركان صلاته، وقد ثبت في الصحيح من حديث البراء ـ رضي الله عَنْهُ ـ قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. وفي رواية: ما خلا القيام والقعود.
قال ابن رجب ـ رحمه الله: معنى هذا: أن صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت متقاربةً في مقدارها، فكان ركوعه ورفعه من ركوعه وسجوده ورفعه من سجوده قريباً من الاستواء في مقداره، وإنما كان يطيل القيام للقراءة والقعود للتشهد. انتهى.
وقال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله: ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته بين التسليم والانصراف قريبا من السواء، وفي لفظ لهما: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء ـ ولا يناقض هذا ما رواه البخاري في هذا الحديث: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وما بين السجدتين، وإذا رفع رأسه ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء ـ فإن البراء هو القائل هذا وهذا, فإنه في السياق الأول أدخل في ذلك قيام القراءة وجلوس التشهد, وليس مراده أنهما بقدر ركوعه وسجوده وإلا ناقض السياق الأول الثاني, وإنما المراد أن طولهما كان مناسبا لطول الركوع والسجود والاعتدالين بحيث لا يظهر التفاوت الشديد في طول هذا وقصر هذا كما يفعله كثير ممن لا علم عنده بالسنة, يطيل القيام جدا ويخفف الركوع والسجود، وكثيرا ما يفعلون هذا في التراويح وهذا هو الذي أنكره أنس بقوله: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح: وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ ـ لَيْسَ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ بِقَدْرِ قِيَامِهِ وَكَذَا السُّجُودُ وَالِاعْتِدَالُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ قَرِيبًا مُعْتَدِلَةً، فَكَانَ إِذَا أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَطَالَ بَقِيَّةَ الْأَرْكَانِ، وَإِذَا أَخَفَّهَا أَخَفَّ بَقِيَّةَ الْأَرْكَانِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالصَّافَّاتِ، وَثَبَتَ فِي السُّنَنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ حَزَرُوا فِي السُّجُودِ قدر عشر تسبيحات، فَيحمل على أَنه إِذا قَرَأَ بِدُونِ الصَّافَّاتِ اقْتَصَرَ عَلَى دُونِ الْعَشْرِ وَأَقَلُّهُ كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا ثَلَاثُ تسبيحات. انتهى.
وحمل بعض العلماء حديث البراء هذا على أنه كان يفعله في بعض الأحوال، وهو ما ذكره النووي في شرح مسلم، ولعل ما ذكرناه أولا أولى.
والله أعلم.