الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأهل السنة يؤمنون بعلم الله تعالى السابق لمقادير الخلائق وأفعالهم وكتابته سبحانه لذلك، ويؤمنون بمشيئة الله عز وجل لأفعال عباده وخلقه لها. وهذه هي المراتب الأربعة للإيمان بالقدر، وراجع في بيانها الفتويين: 60787، 136263.
والقدرية النفاة، منهم من ينكر المشيئة والخلق فقط ويثبت علم الله تعالى السابق، ومنهم من يبالغ فينكر علم الله السابق. والنوع الأول هم من عناهم شيخ الإسلام بـ (القدرية المقرون بالعلم). بخلاف من ينكره ويعتقد أنه سبحانه لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال. اهـ.
وأما مسألة قيام الحجة بمجرد بلوغ القرآن، فإنه ينبغي أن يقيد بالتمكن من العلم به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): الحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به. اهـ.
وقال ابن القيم في (مدارج السالكين): حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وبلوغ ذلك إليه، وتمكنه من العلم به. اهـ.
ثم ينبغي التنبه في مثل هذه المسألة المهمة إلى أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وقد نص على ذلك ابن القيم وجعله أصلا من أصول أربعة ينبغي مراعاتها في مثل هذه المسألة، وراجع بيان ذلك في الفتوى رقم: 158921.
وأما بقية كلام شيخ الاسلام ـ رحمه الله ـ فينصبُّ على ضرورة التفريق بين الفعل والفاعل، فالفعل قد يكون كفرا وفاعله متلبس بمانع من موانع التكفير كالجهل والإكراه فلا يحكم بكفره عينا، فليس كل من تلبس بشيء من مظاهر الكفر يكون بالضرورة كافراً، فلابد من قيام الحجة على المعين بحيث لا يكون معذوراً بجهل أو تأويل أو إكراه ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام: ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة. اهـ.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 721.
والله أعلم.