الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما صدر العبارة، فيذكر معناها عند قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { الرحمن: 29}.
كما جاء في البحر المحيط لأبي حيان: قال الحسين بن الفضل، وقد سأله عبد الله بن طاهر عن قوله: كل يوم هو في شأن ـ وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ فقال: شؤون يبديها، لا شؤون يبتديها. اهـ.
قال النفراوي في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: شؤون يبديها ـ أي يظهرها ـ لا شؤون يبتديها أي يقدرها، أي لأن التقدير في سابق علمه. اهـ.
وهذا المعنى يُذكر لنفي البداء عن الله تعالى، وقد جاء في جواب للجنة الدائمة عن سؤال عن النسخ والفرق بينه وبين البداء ما نصه: البداء بمعنى: الظهور بعد الخفاء، أو بمعنى: نشأة رأي جديد لم يكن موجودا، وكلا المعنيين مستحيل على الله جل وعلا، لما يلزمهما من سبق الجهل وحدوث العلم، لأن الله جل شأنه قد أحاط بكل شيء علما، قال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ـ والله سبحانه حين نسخ بعض أحكامه ببعض، ما ظهر له أمر كان خافيا عليه، ولا نشأ له رأي جديد؛ لأنه يعلم الناسخ والمنسوخ أزلا من قبل أن يشرعهما لعباده، والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده لا ظهور ذلك له على حد العبارة: إنما هي أمور يبديها ولا يبتديها. اهـ.
وأما آخر العبارة من أن الأصل في الأشياء هو الوجود وليس العدم، فنقول: إن الأشياء أي ما سوى الله تعالى الأصل فيها العدم , ويحتاج وجودها إلى سبب موجد، قال النيسابوري عند تفسير قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ { الملك:2}.
تقديم الموت، لأن الأصل في الأشياء العدم. اهـ.
وقال تعالى: أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا { مريم: 67}.
قال القشيري في لطائف الإشارات: قوله: وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ـ فيه دليل على صحة أهل البصائر أنّ المعدوم لم يك شيئا في حال عدمه، ويقال: أبطل لهم كلّ دعوى حيث ذكّرهم نسبهم وكونهم من العدم. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 49754.
والله أعلم.