الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلمي أيتها السائلة أولا أن ما تعانينه إما أن يكون ناتجا عن الاسترسال مع الوسوسة بحيث يخيل لك الشيطان أن وضوءك انتقض, وإما أن يكون ناتجا عن قلة الفقه في الدين بحيث تعيدين الصلاة والوضوء بزعم طلب الاحتياط، وهو في الحقيقة ليس فيه احتياط. والوسوسة وقلة الفقه كلاهما مدخل من مداخل الشيطان التي يلج بها إلى العبد ليفسد عليه دينه ويحمله على استثقال العبادت ومن ثم تركها بالكلية. فاتقي الله تعالى, وما تشعرين به من خروج الريح إن لم يصل إلى درجة اليقين فإن الصلاة لا تبطل به وربما كان من تلاعب الشيطان بك. فقد روى البزار من حديث ابن عباس مرفوعا: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلَاتِهِ فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَلَمْ يُحْدِثْ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا. وعند أحمد من حديث أبي سعيد مرفوعا: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَيَأْخُذُ شَعْرَةً مِنْ دُبُرِهِ فَيَمُدُّهَا فَيَرَى أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَلَا يَنْصَرِفَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا. اهـ . وإن تيقنت من خروجها وكان خروجها مستمرا بحيث لا تجدين وقتا تصلين فيه بطهارة صحيحة، أو كان انقطاعها غير معلوم بأن كان زمنه يتقدم ويتأخر ويحصل تارة ولا يحصل أخرى. فحكمك حينئذ حكم صاحب السلس تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلين ولا يضرك ما خرج منك ولا يلزمك إعادة الصلاة, وانظري الفتوى رقم : 151647 ، عن علاج من يتوهم أنه خرج منه ريح , والفتوى رقم : 8777 ، عن وضوء وصلاة صاحب سلس الريح، وكذا الفتوى رقم : 125091 .
ومما ذكر تعلمين أن خوفك من تطبيق حكم السلس على نفسك بسبب أن بعض الصلوات تستطيعين أن تصليها بلا تكرار وضوء، هو خوف في غير محله. اللهم إلا أن تعلمي أن صلاة معينة كالفجر أو العصر أو هما معا لا يوجد فيهما سلس. فإنك حينئذ تأخذين بحكم السلس في الأوقات التي يوجد فيها سلس، وتتركينه في الأوقات التي علمت أنه لا يوجد فيها ، ونسأل الله تعالى أن يشفيك مما أصابك .
والله أعلم.