الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى ويرجو رحمته ويخشى عذابه ويحسن الظن به ولا يأمن من مكره، مع الإخلاص ويكون اعتماده على فضل الله تعالى لا على عمله بحيث يرى أنه يستحق بسببه المنزلة عند الله، بل عليه أن يكون متهما لنفسه بالتقصير وعدم الاخلاص فبهذا ينال المنزلة عند الله تعالى وقد ورد في بعض الأحاديث أن العبد إذا أراد أن يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى في قلبه، ففي الترغيب والترهيب: عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة، قالوا وأين رياض الجنة؟ قال مجالس الذكر فاغدوا أو روحوا في ذكر الله وذكروه أنفسكم، من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده؟ فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه. رواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والبزار والطبراني والحاكم والبيهقي وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
كما ينبغي أن يجمع بين الخوف والرجاء في قلبه، فيوازن بينهما في حالة الصحة أو يغلب جانب الخوف، ليكون ذلك أدعى لكثرة العمل الصالح، وأردع عن الأعمال السيئة، فإذا عجز عن العمل أو أحس بدنو الأجل غلَّب جانب الرجاء ليقوى افتقاره إلى الله تعالى ويحسن رجاؤه، ومن اعتقد أن له منزلة عند الله تعالى فقد أحسن الظن بنفسه وإحسان الظن بالنفس يمنع من إصلاحها ويغطي على عيوبها كما قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ ففي مدارج السالكين: وأما سوء الظن بالنفس فإنما احتاج إليه، لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش ويلبس عليه فيرى المساوئ محاسن والعيوب كمالا، فإن المحب يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك، فعين الرضى عن كل عيب كليلة، كما أن عين السخط تبدي المساويا، ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه. انتهى.
وهذا لا يتنافى مع حب الله تعالى لأهل طاعته وقبوله منهم ونصرهم وعدم خذلانهم، فإن إصلاح النفس والخوف من الله تعالى ومن عدم قبول الأعمال ومن السقوط من عين الله تعالى كل ذلك من أسباب النجاة والفوز، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 118472.
أما الجزم بأن العبد مهما كان طائعا فليست له منزلة عند الله تعالى فهو غير صحيح.
والله أعلم.