الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أقسم على ترك المعصية، ثم أقسم أيضا إن فعلها أن يصوم ثلاثين يوما فحنث بفعل ما حلف عنه من ترك المعصية فإن عليه الكفارة بهذا الحنث، وإذا لم يبر يمينه الثانية بصوم ما أقسم على صومه فعليه كفارة أخرى، لأن كلا اليمينين يمين منعقدة على غير ما انعقدت عليه الأخرى، فإذا حنث فيهما بفعل ما حلف على تركه ـ وهو المعصية ـ وبترك ما حلف على فعله ـ وهو صوم ثلاثين يوما ـ فعليه كفارتان، فإذا صام ما حلف على صومه فقد بر يمينه الثانية وبقيت عليه كفارة واحدة عن اليمين الأولى، قال العلامة خليل المالكي في المختصر عاطفا على قوله: وتكررت ـ أي الكفارة، قال: أو حلف أن لا يحنث ـ قال شراحه: يعني أن من حلف على شيء أن لا يفعله أو أن يفعله ثم حلف أنه لا يحنث في يمينه هذه ثم وقع عليه الحنث، فإن الكفارة تتعدد عليه، واحدة لحنثه في يمينه، والأخرى لحلفه على أن لا يحنث، وقد وقع منه الحنث، لأن الثانية لما كانت على غير لفظ الأولى لم تحمل على التأكيد، ابن المواز: من حلف بالله لأفعل كذا فقيل له إنك ستحنث فقال والله لا أحنث ثم حنث فعليه الكفارتان.
وله الخيار في أن يفعل ما حلف عليه وهو الصيام أو الكفارة عن يمينه، جاء في بلغة السالك: واليمين المنعقدة على الحنث يخير إن شاء فعل وإن شاء كفر ولم يفعل.
والكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز عن أي واحد من الثلاثة فعليه صوم ثلاثة أيام، وبناء على ما تقدم، فإن عليك كفارة يمين لاقترافك المعصية التي حلفت على فعلها، وعليك كفارة أخرى إن لم تصم الثلاثين يوما التي حلفت على صيامها إن اقترفت المعصية، ولا كفارة عليك إذا صمت، وقد بينا أن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب الكفارة على الفور، وانظر الفتوى رقم: 127048.
ثم اعلم أن ترك المعصية واجب بالأصل ـ كما هو معلوم عند المسلم ـ والقسم على تركها يعتبر مؤكدا للترك، فيجب إبرارها والوفاء بها وعدم الحنث فيها، فإذا حنث الحالف بفعل المعصية فقد أثم ولزمته الكفارة ـ كما ذكرنا ـ ويجب عليه الإقلاع عن المعصية والتوبة منها.
والله أعلم.