الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما سمعته من الإمام المذكور لا يستقيم على إطلاقه، فبناء المساجد مما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله. رواه مسلم.
كما أن بناء البيوت للفقراء والمحتاجين مما يؤجرعليه فاعله، ومن ساعد على ذلك أيضا وكذلك من بنى لعياله ما يقيهم من الحر والبرد غير مراء ولا مريد لسمعة، فلا شك أن في ذلك فضلا، وقد ورد حديث يدل على المعنى المذكور في السؤال وهو: من بنى بناء أكثر مما يحتاج إليه كان عليه وبالا يوم القيامة. رواه البيهقي، وقال الألباني في ضعيف الجامع: ضعيف جدا.
لكنه محمول عند أهل العلم على البناء الذي يزيد على الحاجة مما يقصد صاحبه به الرياء والسمعة أو يقصد به التنزه والانفساح والاستراحة فقط، فهذا لا أجر فيه، قال المناوي في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ومن ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، وقيل في قوله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ـ أنه الرياسة والتطاول في البناء، قال القونوي: اعلم أن صور الأعمال أعراض جواهرها مقاصد العمال وعلومهم واعتقاداتهم ومتعلقات هممهم وهذا الحديث وإن كان من حيث الصيغة مطلقا فالأحوال والقرائن تخصصه وذلك أن بناء المسجد والربط ومواضع التعبد يؤجر الباني عليها اتفاقا فالمراد هنا إنما هو البناء الذي لم يقصد صاحبه إلا التنزه والانفساح والاستراحة والرياء والسمعة وإذا كان كذلك فهمة الباني وقصده لا يتجاوز هذا العالم فلا يكون لبنائه ثمرة ولا نتيجة في الآخرة، لأنه لم يقصد بما فعله أمرا وراء هذه الدار ففعله عرض زائل لا ثمرة له ولا أجر. انتهى.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها إلا البنيان ـ كما روى الطبراني عن خباب وصححه الألباني: فقد قال المناوي أن المساجد وما يحتاجه المرء ليس داخلا في البنيان المستثنى من الأجر فقال: كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها إلا البنيان ـ لغير نحو مسجد وما كان زائدا على الحاجة كما يشير إليه الخبر الآتي وغيره.
ويقصد بالخبر الآتي: كل نفقة ينفقها المسلم يؤجر فيها على نفسه وعلى عياله وعلى صديقه وعلى بهيمته، إلا في بناء مسجد يبتغي به وجه الله.
قال المناوي أيضا: كل نفقة ينفقها المسلم يؤجر فيها على نفسه وعلى عياله وعلى صديقه وعلى بهيمته إلا في بناء ـ لأنها نفقة في دنيا قد أذن الله في خرابها يزيد في زينتها التي هي فتنة، إلا في بناء مسجد ونحوه مما يبتغي به وجه الله، فإنه يؤجر عليه. انتهى.
والله أعلم.