الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يؤجرك في مصيبتك، وأن يخلف لك خيرا منها، واعلمي أن ما حصل إنما هو بقضاء الله تعالى وقدره، وكونك أشرت عليه بالذهاب معكم هذا لا يعد تسببا في الموت، ولا يترتب عليه شيء في الشرع لا عتب ولا دية ولا كفارة، كما لا يصح أن يقال بأنه لو بقي لما مات، وقد نهانا ربنا أن نكون كالذين لا يؤمنون بالقضاء والقدر فقال عز من قائل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا }. آل عمران : 156 . قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة: ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار وفي الحروب: لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم. فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإخْوَانِهِمْ } أي: عن إخوانهم { إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ } أي: سافروا للتجارة ونحوها { أَوْ كَانُوا غُزًّى } أي: في الغزو { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا } أي: في البلد { مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } أي: ما ماتوا في السفر ولا قتلوا في الغزو. وقوله: { لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } أي: خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتهم وقتْلهم .. اهـ.
ولما قال المنافقون بعد غزوة أحد: { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } أي لو كان لنا مشورة ورأي لما خرجنا للقتال ولما قتل من قتل منا رد الله عليهم بقوله: { .. قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ .. }. أي ولو كنتم في بيوتكم، وقدَّر الله أنكم تموتون، لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون، لأن هذا قدر مقدر من الله عز وجل، وحكم حَتْم لا محيد عنه ولا مناص، فالأسباب وإن عظمت إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئا، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة، فاتق الله واصبري، ولا تنغصي حياتك وحياة زوجك وأسرتك بمثل هذه الوساوس، فكل شيء بقضاء وقدر .
والله تعالى أعلم.