بيان كون الإنسان مخلوق من ماء الرجل والمرأة

11-10-2011 | إسلام ويب

السؤال:
أرجو من فضيلتكم التكرم بالإجبة عن استفسارين وسؤالين لم أجد لهما تفسيرا منذ مدة: أولهما العلاقة بين قول الله سبحانه وتعالى في تنزيله الحكيم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ـ وبين إدراكنا أن أمر الله وفعله يكون بكن فيكون، فأنا أريد أن أتساءل لو سمحتم عن التوفيق بين الخلق في ستة أيام وبين أمر الله أن يقول للشيء كن فيكون، أتمنى أن لا أكون مخطئا في طرح السؤال، أما الاستفسار الثاني: فقد دأبت على مناظرة المسيحيين في دينهم والحمد لله فإني أتمكن من ذلك بإظهار مواضع الخلط والتناقض والنقص في كتبهم بعد مشاهدتي وقراءتي لعديد المناظرات والكتب حول الموضوع، ولا أرى خيرا من الإعجاز العلمي في كتاب الله لإقناع الملاحدة والنصارى بحقيقة هذا الدين، وسؤالي عن سبب ذكر النطفة في القرآن في تكوين الجنين وعدم ذكر البويضة أم أن البويضة مذكورة في موضع خفي عني؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن جواب السؤال الأول قال فيه الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: وذكر هذه المدة ـ أي ستة أيام ـ ولو أراد خلقها في لحظة لفعل، إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد: أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، ولتظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء، وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام، لأن لكل شيء عنده أجلا، وبين بهذا ترك معالجة العصاة بالعقاب لأن لكل شيء عنده أجلا. اهـ.

وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـزاد المسير في تفسير آية الأعراف: فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة:

أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، ذكره ابن الأنباري.

والثاني: أنه التثبت في تمهيد ما خلق لآدم وذريته قبل وجوده، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة.

والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة، والتثبيت أبلغ في الحكمة، فأراد إظهار حكمته في ذلك، كما يظهر قدرته في قوله: كن فيكون.

والرابع: أنه علم عباده التثبت، فإذا تثبت من لا يزل، كان ذو الزلل أولى بالتثبت.

والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق. اهـ.

وأما عن السؤال الثاني: فإن  النصوص تدل على أن الولد مخلوق من الأبوين من ماء الرجل والمرأة، كما قال الله عز وجل: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ { الطارق:5ـ7}.

قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في فتح القدير: أراد الله سبحانه وتعالى ماء الرجل والمرأة، لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما، والولد لا يكون إلا من الماءين. انتهى.

وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى {الحجرات:13}. ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم المرأة ويستمد من الدم الذي يكون فيه، واحتجوا بقوله تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ { المرسلات:20} وبقوله تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى {القيامة:37} فدل على أن الخلق من ماء واحد، والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية، فإنها نص لا يحتمل التأويل، وقوله تعالى: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ {الطارق} والمراد أصلاب الرجال وترائب النساء على ما سيأتي بيانه، وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن الله تعالى ذكر خلق الإنسان من الماء والسلالة والنطفة ولم يضفها إلى أحد الأبوين دون الآخر، فدل على أن الماء والسلالة لهما والنطفة منهما بدلالة ما ذكرنا، وبأن المرأة تمني كما يمني الرجل، وعن ذلك يكون الشبه. انتهى.  

وقد ذكر بعض المعاصرين ممن يتكلمون في الإعجاز العلمي أن البويضة المخصبة هي المراد بالنطفة الأمشاج المذكورة في قول الله  تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3ـ2}.

يقول د. محمد دودح الباحث العلمي بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: يقول تعالى: إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ { الإنسان: 2} والمفسرون كافة بلا استثناء على أن النطفة الأمشاج هي حصيلة ماء الرجل والمرأة، والأمشاج أخلاط من الجنسين, وقبل اكتشاف المجهر بعد عصر تنزيل القرآن بأكثر من عشرة قرون لم يكن يعلم أحد بتكون الجنين من بويضة مخصبة Fertilized egg تماثل ـ نطفة ـ أي قطيرة ماء غاية في الضآلة ذات أخلاط تحتوي على مكونات وراثية من الأبوين نسميها اليوم كروموزومات Chromosomes. اهـ. 

ويمكن للسائل الاستزادة من هذا الموضوع بالرجوع إلى موقع الهيئة العلمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ونحوه من المواقع والبحوث العلمية الموثوقة التي تعنى بمثل هذا.

والله أعلم.

www.islamweb.net