الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان الأولي بالسائل أن يرسل لنا ألفاظ الأحاديث بنصوصها كما هي في الكتب لنتبين صحيحها من سقيمها وما يحتج به منها وما لا يحتج به، وبما أن ذلك لم يحصل فقد بحثنا عن مظانها ومما وجدنا في هذا، ما جاء في الحديث: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لايصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يُقتله قوم ـ قال ثوبان: ثم ذكر شيئاً لا أحفظه ـ فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج. رواه ابن ماجه. وصحح إسناده القرطبي في التذكرة، وقال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم: وهذا إسناد قوي صحيح. اهـ.
وهذا الحديث يفيد انتصار المهدي على من خالفه وأنه يكثر القتل فيهم وليس فيه أنه يبيد مخالفيه بالكلية، قال ابن كثير: والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت، كما دل على ذلك بعض الأحاديث. انتهى.
وأما ما ذكر السائل من كون الرسول يشير إلى عموم المسلمين وأن المقتولين ليسوا منافقين أو خارجين وأن هناك فئة مؤمنة تم قتلها، فالذي يجب اعتقاده هو عدالة المهدي وعدم ظلمه فلا يمكن أن يفهم من الحديث أن المهدي يقتل أحدا من المسلمين المستقيمين على الطاعة المتمسكين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، لما علم من كون المهدي يملأ الأرض قسطا كما في حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا، يملك سبع سنين. رواه أبو داود والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وفد ورد حديث عند أبي داود والحاكم وضعفه الذهبي والألباني وفيه أن الله يحفظه ممن يقاتلونه وينصره عليهم، ونص هذا الحديث: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من أهل الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه بين الركن والمقام ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. اهـ.
وأما قوله: نجد أن المهدى سوف يستنكر ما فعلوه ويقول فكم عهد نقضتموه؟ وكم دم قد سفكتموه؟ وكونه انتهر أصحاب الرايات السود ـ فهذا الكلام لم نجد نصا يدل عليه، فإن كان السائل اطلع على شيء فيه فنرجو أن يرسل لنا نص الحديث مبينا مرجعه، وأما كونه شارك في القتال فلم نجد نصا فيه، ولكنه لا يبعد أن يكون قاتل معهم، أما كونه كان مجبورا على أمره في القتال فمستبعد، إذ هو الأمير صاحب السلطة والأمر، وأما كونه يبايع كرها: فقد سبق في حديث أبي داود ما يدل عليه، وأما عن صلاحه: فقد ثبت في الحديث عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة. رواه أحمد وابن ماجه صححه أحمد شاكر والألباني.
قال ابن كثير في كتابه النهاية في الفتن والملاحم: أي يتوب الله عليه، ويوفقه ويلهمه، ويرشده بعد أن لم يكن كذلك.
وأما عن الارتباط بين حديث: تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يُقتله قوم ـ وبين الحديث الآخر لفتح الروم: فلعل قتال الروم هو الأشنع، فإن ذلك القتال من الملاحم العظمى ومما صح فيه من الأحاديث حديث مسلم: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون القسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا جاءوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته.
والله أعلم.