الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت قد أخرجت الكفارة على أساس أن مرضك لا يرجى برؤه بشهادة الأطباء ولا يمكن معه الصيام ثم شفاك الله تعالى فإن تلك الكفارة تجزئك ولا يلزمك القضاء في قول الشافعية والحنابلة, وفي قول آخرين يلزمك القضاء، كما فصلناه في الفتويين رقم: 78296، ورقم: 95274.
ولعل القول بعدم القضاء أرجح، لأن من أخرج الكفارة فقد فعل ما أمر به وبرئت ذمته، فلا تشغل بالصيام مرة أخرى بعد براءتها, وأما إن أخرجت الكفارة مع أن المرض يرجى برؤه، فإن الكفارة لا تجزئ ويلزمك قضاء تلك الأيام, ويلزمك قضاؤها قبل دخول رمضان القادم إذا كان هذا في الإمكان, وإن دخل رمضان آخر قبل القضاء مع إمكانه لزمتك الفدية, قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في تحفة المحتاج: ومن أخر قضاء رمضان مَعَ إمْكَانِهِ بِأَنْ خَلَا عَنْ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ أَفْتَوْا بِذَلِكَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، أَمَّا إذَا لَمْ يَخْلُ كَذَلِكَ فَلَا فِدْيَةَ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِذَلِكَ جَائِزٌ، فَالْقَضَاءُ أَوْلَى. اهـ .
وشرط وجوب الكفارة العلم بحرمة التأخير، أما إذا كنت تجهلين حرمة التأخير، فيلزمك القضاء دون الكفارة، كما في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي نقلاً عن الأذرعي ما نصه: قال الأذرعي: لو أخره لنسيان أو جهل فلا فدية كما أفهمه كلامهم، ومراده الجهل بحرمة التأخير وإن كان مخالطاً للعلماء لخفاء ذلك. انتهى.
والله أعلم.