الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث المشار إليه حديث صحيح رواه مسلم وغيره. ولفظه: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير.
والاستغفار في حد ذاته دعاء وقربة إلى الله تعالى، والدعاء هو العبادة كما صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وسبق أن بينا فضل الاستغفار وشيئا من فوائده، انظر الفتوى رقم: 39154.
واستغفار النبي- صلى الله عليه وسلم- من الخطأ وهو مغفور لجميع الأمة، بل ومغفور له -صلى الله عليه وسلم- ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إنما ذلك من أجل العبادة والزيادة في درجاته والتعليم لأمته. وقال بعض أهل العلم: هو لتستن به أمته وليقتدوا به في ذلك.
جاء في تفسير القرطبي عند قول الله تعالى: واستغفر لذنبك. الآية: هذا تعبد للنبي عليه السلام بالدعاء، كما قال تعالى: وآتنا ما وعدتنا، والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده.
وفي شرح سنن ابن ماجه: والاستغفار منه صلى الله عليه وسلم مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ليس لمغفرة الذنوب، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والتسليمات معصومون من الكبيرة والصغيرة- على الأصح- ولكن لا يخفى أنه لا بد للنبي من معاشرة الأمة لتبليغ الأحكام وفصل خصوماتهم وتعليم آدابهم، ففي هذه الحالات لا بد له من مناسبة بينه وبين الخلق، وهذا الاشتغال بالخلق يصرفه عن المشاهدة التامة في الجملة لأنه نقص له بل هو غاية مقاصده، ولكن يحصل به الفتور في الحالة السابقة، فيلتجئ إلى الله تعالى بالاستغفار لطلب الحالة السابقة، وهو المعبر عنه بالغين في قوله صلى الله عليه وسلم: وإنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة. كما في رواية مسلم. اهـ
فعلم من هذا أن استغفار النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وتعميمه لكل ما ذكر في الحديث هو عبادة وتعليم، وليكون الاستغفار والتوبة شاملة لكل ما عمله العبد مما علمه وما لم يعلمه.
ولمعرفة رفع الخطأ والنسيان عن هذه الأمة وأدلته انظر الفتوى: 154853.
والله أعلم.