الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أورد الإمام أحمد في الزهد وابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه المواعظ عن الحسن البصري ـ رحمه الله تعالى ـ قال: إن الموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لُب به فرحاً.
ومعنى هذا أنه بين حقيقة الدنيا، وأنه لا بقاء فيها، وأنه لا ينبغي للعاقل الركون إليها والفرح بما فيها من لذة منقطعة وعمر قصير ينقضي ببغتة الموت، بل يتعين الاستعداد للآخرة والعمل والسعي لها.
وأما العبارة التي نسبت لابن القيم: فلم نطلع عليها في كتبه فنرجو التأكد من صحة نسبتها إليه.
ولا شك أن الله تعالى جعل الدين يسرا، ورفع فيه الحرج عن هذه الأمة، فلا يكلفون إلا ما يطيقون، قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286}. وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}. وقال تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة:185}. وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر. اهـ.
وقد بشر الطائعين بكثير من الترغيب يجعل الطاعة سهلة على المسلم، فبقدر العلم بالترغيب في الطاعات يسهل على العبد الانقياد لله والاستجابة لأمره، فقد قال ابن الجوزي في صفة الصفوة: عن حكيم بن جعفر قال سمعت أبا عبد الله البراثي يقول: ومن لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال. وعنه قال: سمعت أبا عبد الله البراثي يقول: بالمعرفة هانت على العاملين العبادة، وبالرضا عن الله عز وجل في تدبيره زهدوا في الدنيا ورضوا منها لأنفسهم بتقديره. اهـ.
فإسباغ الوضوء في شدة البرد والصوم في الحر يشق على النفس، ولكن من تذكر الثواب الوارد فيه في نصوص الوحيين هان عليه الأمر ونشطت النفس له، ومن الضروري في الصلوات والتلاوة والأذكار حضور القلب فيها، وبهذا تكون الصلاة سهلة، فإذا دام على الخشوع في الصلاة، وتدبر ما يقرأ أثناءها خف عنه ذلك التكاسل وحببت إليه الصلاة حتى تصير قرة عينه، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {البقرة:45-46}.
وأما من يصلي وهو غافل القلب عن الله فلا يطمئن قلبه بها ولا يجد حلاوتها ولذتها فتكون شاقة عليه يقول ابن القيم ـ رحمه الله: فيقوم ـ أي العبد الذي استرسل مع الوساوس، فيها أي في الصلاة ـ بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها وأكمل خشوعها ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقابله فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه وأحس بأثقال قد وضعت عنه فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينيه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها، فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم: يا بلال أرحنا بالصلاة ـ ولم يقل أرحنا منها، وقال صلى الله عليه وسلم: جعلت قرة عيني في الصلاة ـ فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه بدونها؟ وكيف يطيق الصبر عنها؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل فتقول: حفظك الله تعالى كما حفظتني. انتهى.
والله أعلم.