الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القبل يطلق على الموضع الذي يتم فيه الوطء، ومنه يخرج الولد، ويطلق على الفرج عامة، وهو مقابل الدبر. ففي تاج العروس: القُبُل: وهو بضمّتَيْن خِلافُ الدُّبُر، وهو الفَرْجُ من الذَّكَرِ والأُنثى، وقيل: هو للأنثى خاصّةً. انتهى.
وقال المناوي في التعاريف: الدبر: مؤخر كل شيء وقيل خلاف القبل من كل شيء وكني بهما عن العضوين المخصوصين وأصله ما أدبر عنه الإنسان. انتهى.
والذي عليه جماهيرأهل العلم أن الرطوبات الخارجة من فرج المرأة تعتبر من نواقض الوضوء باعتبارها خارجا من أحد السبيلين، ولم يفرقوا بين الخارج من مسلك البول والمهبل من حيث نقضه للوضوء إذا كان خارجا بالفعل ولم يكن من رطوبات الفرج، ويرى ابن حزم أن هذه الرطوبات لا تنقض الوضوء، لأنها ليست بولا ولا مذيا وهو لم ير القياس حتى يقيسها على البول والمذي: قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في الشرح الممتع: أما ما خرج من مسلك البول فهو ينقض الوضوء، لأن الظاهر أنه من المثانة وأما ما خرج من مسلك الذكر فالجمهور أنه ينقض الوضوء، وقال ابن حزم: لا ينقض الوضوء، وقال: بأنه ليس بولا ولا مذيا ومن قال بالنقض فعليه الدليل، بل هو كالخارج من بقية البدن من الفضلات الأخرى، ولم يذكر بذلك قائلا ممن سبقه والقول بنقض الوضوء بها أحوط. اهـ.
وسئل أيضا عن حكم الرطوبة الخارجة من فرج المرأة مع كثرتها ولم يظهر دليل صريح يبين هذه الحالة في عهد الصحابيات حيث إن هذه الرطوبة تنزل بصفة مستمرة ومن طبيعة كثير من النساء؟ الجواب: الواقع أن هذا الإشكال الذي أوردته السائلة هو إشكال حقيقة، لأن هذا ـ أعني الرطوبة التي تخرج ـ يبتلى بها كثير من النساء أو أكثر النساء، ولكن بعد البحث التام لم أجد أحدا من العلماء قال إنها لا تنقض الوضوء إلا ابن حزم ولم نذكر له سابقا حتى نقول إن سلف الأمة يرون أن هذا لا ينقض الوضوء، وأنا أقول إذا وجد أحد من سلف الأمة يرى أنه لا نقض بهذه الرطوبة فإن قوله أقرب إلى الصواب من القول بالنقض أولا: للمشقة، وثانيها: لأن هذا أمر معتاد من صدر هذه الأمة يرى أنه لا نقض بخروج هذا السائل فقوله أقرب إلى الصواب، وأما إذا لم تجدوا فليس لنا أن نخرج عن إجماع الأمة. اهـ.
وسُئل أيضا: ما حكم السوائل التي تنزل من بعض النساء وهل هي نجسة؟ وهل تنقض الوضوء؟
فأجاب بقوله: هذه الأشياء التي تخرج من فرج المرأة لغير شهوة لا توجب الغسل، ولكن ما خرج من مخرج الولد فإن العلماء اختلفوا في نجاسته، فقال بعض العلماء إن رطوبة فرج المرأة نجسة ويجب أن تتطهر منها طهارتها من النجاسة، وقال بعض العلماء إن رطوبة فرج المرأة طاهرة، ولكنها تنقض الوضوء إذا خرجت وهذا القول هو الراجح ، ولهذا لا يغسل الذكر بعد الجماع غسل نجاسة، أما ما يخرج من مخرج البول فإنه يكون نجساً، لأن له حكم البول، والله عز وجل قد جعل في المرأة مسلكين مسلكاً يخرج منه البول، ومسلكاً يخرج منه الولد، فالإفرازات التي تخرج من المسلك الذي يخرج منه الولد، إنما هي إفرازات طبيعية وسوائل يخلقها الله عز وجل في هذا المكان لحكمة، وأما الذي يخرج من ما يخرج منه البول، فهذا يخرج من المثانة في الغالب، ويكون نجساً والكل منها ينقض الوضوء، لأنه لا يلزم من الناقض أن يكون نجساً، فها هي الريح تخرج من الإنسان وهي طاهرة، لأن الشارع لم يوجب منها استنجاء، ومع ذلك تنقض الوضوء.
وقال في فتوى أخرى: وأما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينقض الوضوء، فهذا لا أعلم له أصلاً إلا قولاً لابن حزم ـ رحمه الله ـ فإنه يقول: إن هذا لا ينقض الوضوء، ولكنه لم يذكر لهذا دليلاً، ولو كان له دليل من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة لكان حجة. انتهى.
وبهذا تعلمين أن حجة من قال بعدم النقض ليس لكونه غير خارج من القبل، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 125169
والله أعلم.