الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكحول إذا استحالت بحيث صارت مادة أخرى مغايرة، وزالت عنها صفة الإسكار، أو كانت من النوع الذي لا يسكر أصلاً فإن استعمالها جائز.
أما الكحول المسكر فلا يجوز استعماله في الأصل في صناعة الأدوية أو غير ذلك، فقد قال الله تعالى في الخمر: رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ. {المائدة:90}، والأمر بالاجتناب من أشد صيغ التنفير والتحريم في القرآن الكريم، وهي تفيد تحريم كافة أوجه الاستعمال.
قال القاضي ابن العربي: يريد أبعدوه واجعلوه ناحية، وهذا أمر باجتنابها والأمر على الوجوب لاسيما وقد علق به الفلاح.
وروى الإمام ابن جرير الطبري في تاريخه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بمادة معجونة بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تُغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا.اهـ.
ومحل ما تقدم من عدم جواز استعمال الكحول هو عند عدم الضرورة إلى استعماله، وإلا جاز، فقد قال تعالى:ِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. {الأنعام:119}.
قال نصري راشد قاسم في كتابه: المستخلص من النجس وحكمه. ما نصه: أما إذا توقف تركيب بعض الأدوية على خلطه بشيء من الكحول، وقال المختص في تركيب الأدوية إنه لا بد من الكحول لخلطها مع هذا الدواء، ولم يوجد دواء غيره يقوم مقامه، فقد يكون التداوي به والحالة هذه جائزا أو يكون ضرورة. اهـ وراجع الفتوى رقم: 17866، والفتوى رقم: 254.
وبناء على ما تقدم فاذا كان العمل في المخابر التي يعمل فيها بالكحول يلزم منه أن تتعامل معه أو تبيعه وتستعمله ونحو ذلك فلا يجوز باستثناء الحالة التي أشرنا إليها.
وتذكر أن قضاء الحاجة يحصل بتقوى الله وطاعته، لا بمعصيته، ومن ترك الحرام عوضه الله خيرا مما ترك، وقد شرع الله التسبب والبحث عن الرزق، وحرم الوسائل المحرمة في تحصيله، وقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. {البقرة: 189 }. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق: 2،3 }. وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. {الطلاق: 4 }.
وفي الحديث: ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار، وصححه الألباني.
وفي الحديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني والأرناؤوط.
والله أعلم.