الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن المغاضبة أو المشحانة بين شخص وآخر ليست مبطلا من مبطلات الصلاة، كما أنها ليست مانعا من صحة التوبة إذا توفرت فيها شروط الصحة، فمذهب أهل السنة أن من تاب من ذنب قبلت توبته من ذلك الذنب ولو كانت عليه ذنوب أخرى، إلا أنها أي الشحناء تعتبر من الذنوب العظام وهي سبب للحرمان من المغفرة وهذا من أعظم المصائب. ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.
فعلى المسلم أن يبتعد عنها ويتجنب ما يجر إليها، ويحاول قدر المستطاع إزالة ما بينه وبين أخيه المسلم إن وقعت بينهما شحناء عن طريق التسامح والمصالحة والعفو والدفع بالتي هي أحسن، فإن أبى وواصل الاستمرار في الجفاء، فلا يقطعه بل يصله ويسلِّم عليه كلما لقيه، وليؤدِ إليه جميع الحقوق التي جعلها الله للمسلم على أخيه، وعندها يبوء القاطع بإثمه وحده، ويفوز الواصل بالمغفرة دونه.
ففي شرح الزقاني على الموطأ: وقال القرطبي: المقصود من الحديث التحذير من الإصرار على العداوة وإدامة الهجر، قال ابن رسلان: ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح.
قال أبو داود: إذا كان الهجر لله فليس من هذا فإن النبي هجر بعض نسائه أربعين يوما، وابن عمر هجر ابنا له حتى مات.
قال ابن عبد البر: فيه أن الشحناء من الذنوب العظام وإن لم تذكر في الكبائر، ألا ترى أنه استثنى غفرانها وخصها بذلك، وأن ذنوب العباد إذا وقع بينهم المغفرة والتجاوز سقطت المطالبة بها من الله؛ لقوله: حتى يصطلحا، فإذا اصطلحا غفر لهما ذلك وغيره من صغائر ذنوبهما. انتهى.
وانظر الفتوى رقم :23920.
والله أعلم.