الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يثبتنا وإياك على الاستقامة، ثم اعلم أن الله تعالى بعث رسله مبشرين ومنذرين كما قال عز وجل: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء:165). وقال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. (الأنعام: 48). وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (سبأ:28).
فالترغيب والترهيب هو ديدن الرسل وطريقهم الذي سلكوه في وعظ الناس ودعوتهم إلى الحق. يرغبون المطيع بثواب الله العاجل والآجل ويخوفون المعرض بأسه وعذابه وانتقامه. وهذه هي طريقة القرآن المجيد، ترغيب وترهيب وبشارة ونذارة. فعلى الوعاظ والدعاة إلى الله تعالى أن يسلكوا هذه المسالك فيكون وعظهم دائرا على تعريف الناس بربهم وتحبيبه لهم بذكر أسمائه وصفاته، وترغيبهم في ثوابه بذكر جنته وما أعد فيها للمتقين من عباده وسبيل تحصيل هذا الثواب، وتخويفهم بذكر صفات جلاله والتحذير من بأسه وعقابه وذكر النار وما أعد فيها للمجرمين وسبيل توقي هذه النار. فلا يجرئ الناس على معصية الله بالاقتصار على الترغيب، ولا يقنطهم من رحمة الله بالاقتصار على الترهيب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: قال بعض السلف إن الفقيه كل الفقيه الذى لا يُؤْيِس الناس من رحمة الله، ولا يُجَرِّئهم على معاصى الله. انتهى.
فهذه هي أمثل طرق الوعظ والدعوة إلى الله تعالى، وذلك بأن يسلك فيها سبيل النبيين عليهم السلام، فمن وفق لهذا فقد وفق لخير عظيم، ومن انتقص من هذا فاته من الخير بقدر ما انتقص، وكثير من الدعاة والوعاظ يسلكون هذه المسالك الحميدة بفضل الله، وقد نفع الله بهم خلقا كثيرا، فلا ينبغي لك تعميم الأحكام لمجرد شريط سمعته، كما لا ينبغي ازدراء هذا الجانب من جوانب الوعظ والتذكير فإنه مهم، وإنما يستنكر الاقتصار على جانب معين كالترهيب والتخويف دون غيره.
والله أعلم.