الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فالذي ننصح به في مثل هذه الأمور الغيبية أنه ينبغي للمسلم السعي في حمل نفسه على الطاعة والاستقامة عليها حتى يكون من أهل الجنة وينعم بما فيها من الحور العين، وأما عن هذه المسألة فالخلاف فيها لا ينبني عليه عمل ولا يترتب عليه حكم، وقد ثبت في السنة الصحيحة أن لكل رجل في الجنة زوجتين، وقد ثبت في بعض الأحاديث أن الزوجتين من الحور العين، وأن منهم من يزوج بسبعين من الحور العين وهم الشهداء، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً.
و في صحيح مسلم عن أيوب عن ابن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ فقال أبو هريرة: ألم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم: إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.
وروى الدرامي في سننه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما في الجنة أحد إلا له زوجتان ليرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة، ما فيها من عزب.
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حُلة يُرى مخ ساقها من وراء الثياب.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة.... الحديث، وفيه: ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك.
وفي رواية عند البخاريّ: لكل امرئٍ زوجتان مِن الحُوْر العِين يُرى مُخُّ سُوقِهنّ مِن وراء العظم واللحم.
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لِلرَّجُل مِن أهل الجنّة زوجتان مِن الحُوْر العِين على كلّ واحدةٍ سبعون حُلَّة يرى مُخّ ساقها مِن وراء الثياب. رواه الإمام أحمد وصححه ابن رجب في التخويف من النار.
وأما الشهيد: فقد جاء في ثوابه ما رواه الترمذي من حديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
وقد جاءت أحاديث أخرى بعضها صحيح غير صريح وبعضها ضعيف تفيد أن لكل واحد زوجتين من نساء أهل الدنيا وسبعين من الحور العين، وقد مال بعض شراح الحديث كالعراقي وابن حجر والملا علي قارئ وتابعهم المباركفوري إلى تقديم الأحاديث المتضمنة للزيادة، قال الحافظ في الفتح: قوله: ولكل واحد منهم زوجتان ـ أي من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة، وأن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال، ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع: فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم ـ وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه أن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة. وقال غريب، ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده: للشهيد ست خصال.. الحديث، وفيه: ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ـ وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة والدارمي رفعه: ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وثنتين من أهل الدنيا ـ وسنده ضعيف جدا. وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في البعث من حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه أن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء، أو أنه ليفضي إلى أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب، وفيه راو لم يسم، وفي الطبراني من حديث ابن عباس أن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء، وقال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى أن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون يطوف عليهم. قلت: الحديث الأخير صححه الضياء. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة: ثم يدخل عليه زوجتاه ـ والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان. وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه، واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه وهو واضح، لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم رأيتكن أكثر أهل النار، ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة. اهـ.
وقال الإمام العراقي في كتابه طرح التثريب: قد تبين ببقية الروايات أن الزوجين أقل ما يكون لساكن الجنة من نساء الدنيا، وأن أقل ما يكون له من الحور العين سبعون. انتهى.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قال القارئ: والأظهر أنه تكون لكل زوجتان من نساء الدنيا، وأن أدنى أهل الجنة من له اثنتان وسبعون زوجة في الجملة يعني ثنتين من نساء الدنيا وسبعين من الحور العين. انتهى. وقال الحافظ في الفتح قوله: ولكل واحد منهم زوجتان أي من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وأن لكل منهم من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال، ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع: فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم.
قال: والذي يظهر أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية نظير لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه. انتهى ملخصا.
وأما عن إمطار السحب فلم نطلع على شيء صحيح فيه.
والله أعلم.