الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الذي تجده ناشئا عن التأثر بالوعيد في القرآن، فإن هذا حال أهل الخشية الذين تقشعر جلودهم وتلين قلوبهم عند سماع القرآن، فعليك بالإخلاص والبعد عن الرياء والحذر من مداخل الشيطان، ولا تطالب بدفع ما تشعر به طالما أنك لا تتصرف تصرفا خارجا عن طاعة الله تعالى، قال الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. {الزمر:23}.
وقال تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. {الأنفال:2}.
قال أبوعبد الله القرطبي في تفسيره جامع أحكام القرآن عند تفسير هذه الآية من سورة الأنفال: وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه، ونظير هذه الآية: وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم { الحج: 34 - 35} وقال: وتطمئن قلوبهم بذكر الله { الرعد: 28} فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب، والوجل: الفزع من عذاب الله، فلا تناقض، وقد جمع الله بين المعنيين في قوله: الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله { الزمر: 23} أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله، فهذه حالة العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير. انتهى.
وفي تفسيرالصنعاني: عبد الرزاق عن معمر قال: تلا قتادة: تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ـ قال: هذا نعت أولياء الله/ نعتهم الله بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان. انتهى.
والله أعلم.