الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يشرع للعبد أن يقول في دعائه إنه ظالم لنفسه، لأن هذا يدخل فيما ذكر أهل العلم من التوسل بحال السائل بمعنى: أن يذكر الإنسان حاله يتوسل بها ويستعطف بها ربه عز وجل، وذكروا في ذلك قول ذي النون في دعائه: أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ {الأنبياء:87 }.
وقول أبينا آدم: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الأعراف:23}.
وقول موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ { القصص:16}.
وعن أبى بكر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك أنت الغفور الرحيم. متفق عليه.
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك. أخرجه مسلم.
وإذا تقرر مشروعية الدعاء بهذا الذكر، بل استحبابه في الصلاة وغيرها، فإن محل ذلك إذا نوى ظلم نفسه بالمعصية ولم يقصد الوصف المذكور في قول الله تعالى عن الخليل إبراهيم: وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ {الصافات: 113}.
فإن هذا الظلم حمله بعض المفسرين على الكفر، كما قال البغوي في تفسيره: ومن ذريتهما محسن ـ أي: مؤمن: وظالم لنفسه ـ أي: كافرـ مبين ـ ظاهر. اهـ.
والله أعلم.