الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. رواه أبو داود وحسنه ابن حجر في التلخيص.
ولأبي داود في حديث آخر: لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها.
والحديث إنما ورد في سبي أوطاس حين أرادوا وطأهن قبل التأكد من براءة أرحامهن، وأما وطء الجواري المتأكد من براءة رحمهن فلا حرج فيه ولا حرج في إحبالهن، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ إحدى الجواري التي أهداها له المقوقس، وقال لحسان: دونك هذه بيض بها ولدك. أخرجه ابن سعد في طبقاته.
وقد ملك النبي صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت شمعون النصرانية ومارية القبطية ـ رضي الله عنهما ـ وكانتا من السراري فكان يطؤهما بملك اليمين، وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: نهى أن توطأ السبايا حتى يضعن ما في بطونهن ـ فيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبيه إذا كانت حاملا حتى تضع حملها، وروى أبو داود وأحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ـ وفيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبيه إذا كانت حاملا حتى تستبرأ بحيضة، وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والحنفية والثوري والنخعي ومالك.
وظاهر قوله ولا غير حامل أنه يجب الاستبراء للبكر ويؤيده القياس على العدة فإنها تجب مع العلم ببراءة الرحم، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها، وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها، وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء. وهو في صحيح البخاري عنه.
ثم ذكر الشوكاني مؤيدات لهذا القول ثم قال: ومن القائلين بأن الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن تيمية وبن القيم ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلي والمغربي والأمير وهو الحق، لأن العلة معقولة فإذا لم توجد مئنة كالحمل ولا مظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء، والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حق الصغيرة وكذا في حق البكر والآيسة ليس عليه دليل. انتهى كلام الشوكاني.
والله أعلم.