الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن لم يندم على فعل الذنب فإنه لا يعد تائباً، إذ الندم شرط من شروط صحة التوبة، وانتفاء الشرط يلزم منه انتفاء المشروط، وحنيئذ يكون استغفاره من جنس الدعاء، فإن شاء الله قبله وإن شاء لم يقبله، واستغفاره وإن كان فعلاً حسناً لكن الأحسن منه هو الواجب على كل مسلم أن يتوب من الذنب توبة صادقة نصوحاً مستوفية لجميع شرائطها، وقد أنكر كثير من العلماء الاستغفار مع الإصرار على الذنب وسموا ذلك توبة الكذابين، وليس مرادهم إنكار نفس الاستغفار، وإنما مرادهم الحث على صدق التوبة وأن يقرن هذا الاستغفار بتوبة نصوح توجب للعبد مغفرة ذنوبه، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: فإن الاستغفار هو طلب المغفرة وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو وقد يدعو ولا يتوب، إلى أن قال: والتوبة تمحو جميع السيئات، وأما الاستغفار بدون التوبة فهذا لا يستلزم المغفرة، ولكن هو سبب من الأسباب. انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله: وإن قال بلسانه: أستغفر الله وهو غير مقلع بقلبه فهو داع لله بالمغفرة كما يقول: اللهم اغفر لي، وهو حسن وقد يرجى له الإجابة، وأما من قال: توبة الكذابين فمراده أنه ليس بتوبة كما يعتقده بعض الناس، وهذا حق، فإن التوبة لا تكون مع الإصرار، وقال: ومجرد قول القائل: اللهم اغفر لي طلب للمغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء إن شاء أجابه وغفر لصاحبه، لا سيما إذا خرج من قلب منكسر بالذنب وصادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات. انتهى.
والله أعلم.