الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن أركان الإيمان الإيمان بالقدر، خيره وشره. فيجب على المسلم أن يؤمن بأن كل ما يقع في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى، وأنه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه إن قضى أمرا وقدره لم يقدر الخلق جميعا على دفعه، وإن لم يقدر شيئا لم يقدر الخلق جميعا على تحصيله، كما قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
وقد قال الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}. وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا{الفرقان:2}، ولا يؤمن العبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.
والآيات والأحاديث في إثبات قدر الله السابق، وأنه لا يقع في ملكه شيء إلا بإذنه وتقديره أكثر من أن تحصر، وروى أحمد والترمذي عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تطعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة" يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار.
ولسنا بحاجة إلى الإطالة في تقرير هذا المعنى فهو واضح كل الوضوح، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة التي لا يختلفون فيها، فاعلمي أيها الأخت الكريمة أنه لا يتزوج اثنان ولا يفترقان إلا بتقدير الله تعالى، وله الحكمة البالغة في كل ما يقدره ويقضيه، وقد يقدر الله افتراقهما بسبب كبير أو صغير أو بلا سبب معقول أصلا، فإذا كان الله لم يقدر لك التزوج بهذه الرجل فارضي بحكمه واستسلمي لقضائه وقدره، واعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلمي أن الله تعالى أرحم بعبده من الأم بولدها، فإن رضيت بما قدره لك كان ذلك هو الخير في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.