الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيكفي هذا الشخص التائب أن يتوب إلى الله تعالى من جنس هذا الذنب مهما تكرر فعله، فيبادر بالإقلاع عنه، ويندم على فعله، ويعزم على عدم العودة إليه، فإذا صدقت توبته واستوفت شروطها، فإن الله تعالى يغفر له هذا الذنب مهما كان عظيما، ومهما تكرر فعله له، وقد قررنا في الفتوى المذكور رقمها أن من تاب إلى الله تعالى توبة عامة تتضمن العزم على ترك جميع المحظورات وفعل جميع المأمورات كانت توبته صحيحة مقبولة، وأتت هذه التوبة العامة على جميع ما اقترفه العبد من ذنوب، فالتوبة من الذنب المعين مع عدم استحضار كل مرة فعل العبد فيها هذا الذنب أولى أن تكون مقبولة بإذن الله.
وشروط التوبة عند ابن القيم رحمه الله هي شروطها عند غيره من العلماء، والعزم على عدم فعل الذنب من شروط صحة التوبة بلا شك، يقول ابن القيم رحمه الله: فحقيقة التوبة هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل، والثلاثة تجتمع في الوقت الذي تقع فيه التوبة، فإنه في ذلك الوقت يندم ويقلع ويعزم، فحينئذ يرجع إلى العبودية التي خلق لها، وهذا الرجوع هو حقيقة التوبة، ولما كان متوقفا على تلك الثلاثة جعلت شرائط له. انتهى
وأما الاعتذار فإنما نص على اشتراطه صاحب المنازل الهروي رحمه الله، وبين ابن القيم في شرحه أن في اشتراطه إشكالا، وأن من الناس من يقول إن من تمام التوبة ترك الاعتذار، ثم بين ما يريده صاحب المنازل من الاعتذار.
فقال رحمه الله: والذي ظهر لي من كلام صاحب المنازل أنه أراد بالاعتذار إظهار الضعف والمسكنة وغلبة العدو وقوة سلطان النفس، وأنه لم يكن مني ما كان عن استهانة بحقك ولا جهلا به ولا إنكارا لاطلاعك ولا استهانة بوعيدك، وإنما كان من غلبة الهوى وضعف القوة عن مقاومة مرض الشهوة، وطمعا في مغفرتك واتكالا على عفوك وحسن ظن بك ورجاء لكرمك وطمعا في سعة حلمك ورحمتك، وغرني بك الغرور والنفس الأمارة بالسوء وسترك المرخي علي، وأعانني جهلي، ولا سبيل إلى الاعتصام لي إلا بك، ولا معونة على طاعتك إلا بتوفيقك، ونحو هذا من الكلام المتضمن للاستعطاف والتذلل والافتقار والاعتراف بالعجز والإقرار بالعبودية. فهذا من تمام التوبة وإنما يسلكه الأكياس المتملقون لربهم عز وجل، والله يحب من عبده أن يتملق له. انتهى
وبهذا يظهر لك أنه لا لبس ولا إشكال في هذا الموضع بحمد الله.
والله أعلم.