الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز التعدي على حقوق الناس وممتلكاتهم بغير حق، وهذا لا إشكال ولا خلاف فيه، ومن جملة هذا التعدي: استغلال مثل هذه الثغرات للحصول على هذه الخدمة بغير عوض. وهذا لا يفتقر تقريره إلى بيان. وراجع الفتوى رقم: 132590.
وأما الاحتجاج بالحجة المذكورة في السؤال، فإن سلمناها جدلا، فلا يصلح ذلك للفتوى العامة، وإنما يقال لمن له حق مقدَّر ومتيقن عند شركة بعينها، ولا يستطيع الحصول على حقه هذا لإنكار الشركة له، أو غير ذلك من الأسباب، يقال له: يجوز لك أن تأخذ بقدر حقك دون تعد. وهذه في الحقيقة حالة خاصة، لابد من مراعاة ضوابطها، وهي ثبوت هذا الحق يقيناً ومعرفة قدره، بحيث لا يتعداه. ثم العجز عن استيفائه إلا بهذه الطريقة الخفية. وهذا هو المعروف بمسألة الظفر، وراجع فيها الفتويين رقم: 28871، 8780.
وأما أن يحتج بذلك كل أحد دون ضابط ولا رابط، فهذا من التهاون الواضح، والاحتجاج الباطل. خاصة وأن مسألة الظفر بضوابطها مما اختلف فيه أهل العلم، فلا يسوغ التوسع فيها.
قال العلامة ابن القيم في كتابه الفذ (إعلام الموقعين): قد توسع فيها ـ يعني مسألة الظفر ـ قوم حتى أفرطوا وجوزوا قلع الباب ونقب الحائط وخرق السقف ونحو ذلك؛ لمقابلته بأخذ نظير ماله. ومنعها قوم بالكلية وقالوا: لو كان عنده وديعة أو له عليه دين لم يجز له أن يستوفي منه قدر حقه إلا بإعلامه به. وتوسط آخرون وقالوا: إن كان سبب الحق ظاهرا كالزوجية والأبوة والبنوة وملك اليمين الموجب للإنفاق فله أن يأخذ قدر حقه من غير إعلامه، وإن لم يكن ظاهرا كالقرض وثمن المبيع ونحو ذلك لم يكن له الأخذ إلا بإعلامه، وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وعليه تدل السنة دلالة صريحة والقائلون به أسعد بها. اهـ.
وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، مع إشارته للخلاف في المسألة حيث قال: الغلول والخيانة حرام مطلقا وإن قصد به التوصل إلى حقه، كما أن شهادة الزور والكذب حرام وإن قصد به التوصل إلى حقه، ولهذا قال بشير بن الخصاصية قلت: يا رسول الله إن لنا جيرانا لا يدعون لنا شاذة ولا فاذة إلا أخذوها، فإذا قدرنا لهم على شيء أنأخذه؟ فقال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". بخلاف ما ليس خيانة لظهور الاستحقاق فيه والتبذل والتبسط في مال من هو عليه، كأخذ الزوجة نفقتها من مال زوجها إذا منعها فإنها متمكنة من إعلان هذا الأخذ من غير ضرر، ومثل هذا لا يكون غلولا ولا خيانة، وهذه المسألة فيها خلاف مشهور اهـ.
والمقصود هنا باختصار أن نغلق هذا الباب من أبواب أكل المال بالباطل.
والله أعلم.