الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنعوذ بالله من الغي والضلالة، فليس في ما ذكره الأخ السائل من حال أخي زوجته ما يلتبس أو يرتاب فيه، فكله جهالات مكشوفة، وضلالات مبثوثة، وعقائد منكوسة، ولا يخفى ذلك على من يعرف الإسلام الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وليس في ذلك ما يصح وصفه حتى بالشبهات، فالأمر ظاهر والحق باهر. ولا نظن أن أحدا من المسلمين تنطلي عليه هذه الخرافات الشوهاء والأباطيل السوداء.
وحسبك من هذا الرجل المقيت أنه يأمر بضد أوامر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبخلاف حدود الشريعة الغراء، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني.
فأين هذا من هذا الوحي المزعوم لهذا الرجل، بأمرك أن تزوج ابنتك من ابن أخيك الذي يسب الدين ويصاحب الفتيات ويشرب المسكرات والمخدرات، ثم لم تدعه نفسه الخبيثة حتى زاد الطين بلة، فزعم أن ستكون من الكافرين إذا لم تمتثل لهذا الأمر الأثيم .. سبحانك هذا بهتان عظيم وجرم جسيم.
ويواصل هذا الدعيُّ الكذاب أباطيله الباهتة، فيدعي إطلاع الله له على الغيب، ويخبر بأمور مستقبلية، حتى يبشِّر من شاء بالجنة. وادعاء معرفة الغيب هو الكهانة المجمع على حرمتها، وقد سبق لنا بيان معناها وحكم تعاطيها وبيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله، في الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 49086 ، 17507، 41084 ، 55240.
وهذه الدعوى الفارغة قد حملت صاحبها إلى دعوى أخرى هي أشد وأقبح، وهي القول بالبداء على الله سبحانه وتعالى وتقدس. وهذا الاعتقاد لا يدع لصاحبه مثقال ذرة من إيمان، وإن موَّه صاحبه بقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ {الرحمن:29}، فإن معناه كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: شأنه أن يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويولد مولوداً، ويفك أسيراً، وشأنه أكثر من أن يحصى. اهـ. وقال السعدي: يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، ويعطي قوما، ويمنع آخرين، ويميت ويحيي، ويرفع ويخفض، لا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا طول مسألة السائلين. اهـ.
فالبداء الذي يمكن أن يستفاد من الآية هو ما يعرف عند أهل العلم بالبداء في الأمر، وهو ما يسمى في الشريعة بالنسخ، وأما البداء في العلم والإرادة، فبطلان نسبته إلى الله لا ينكره إلا زنديق ملحد، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 21570.
وعلى أية حال، فبعض شأن هذا الرجل يكفي في الحكم عليه، وننبه السائل على بعض المسائل التي سبق لنا بيانها مما ورد في سؤاله، فقد سبق لنا في الفتويين: 17769، 4625 بيان أنه لا يحكم لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار إلا بنص ثابت. وفي الفتويين: 2207، 19824 بيان أن الزوجة المؤمنة تكون لآخر أزواجها في الدنيا إن كان مؤمنا. وفي الفتوى رقم: 4445 بيان االمفهوم الشرعي لولاية الله، والفرق بين الولي ومدعي الولاية، وبيان بعض المفاهيم الباطلة حول الولاية. وفي الفتويين: 117895، 102085 ، بيان الحد الفاصل بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. وفي الفتويين: 9991، 55529 بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة غير ممكنة. وفي الفتويين: 59214، 23970 بيان شرط صحة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو أن تكون على صورته المعروفة له في حياته صلى الله عليه وسلم.
وأما مسألة تلبس الملائكة بزوجة السائل وعقوبتها إذا أخطأت، على ما يدعيه هذا المبطل الكذاب، فلا تزيد على كونها أضحوكة ممجوجة، لا يقرها شرع، ولا يقبلها عقل، فليس هذا من وظائف الملائكة، ثم إنهم أكرم من التلبس بالنساء مع ما يعتريهم من العوارض المعروفة، وللسيدة عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم قصة في زيارة البقيع، جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. رواه مسلم.
فكيف بالتلبس فالأمر لا يعدو المس الشيطاني لا الملائكي، ولذلك كان لابد لدفع شر هذا الرجل عنك، وعن أهل بيتك من اللجوء إلى الله تعالى، والاستعانة به، وصدق التوكل عليه، وحسن الظن به، والإلحاح في الدعاء، والإكثار من الذكر، وإدمان تلاوة القرآن والرقى الشرعية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم إذا ذكر عندهم ما يطردها مثل آية الكرسي، ولهذا إذا قرأها الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلتها. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 136143، 8500.
والله أعلم.