الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اتفق أهل العلم المعتبرون على أن المرأة لا يجوز لها شرعا أن تتولى الإمامة العظمى، التي هي الرئاسة العامة في الدين والدنيا، خلافة ًعن النبي صلى الله عليه وسلم، القائل: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. رواه البخاري.
وقد نقل هذا الإجماع طائفة من أهل العلم كابن حزم والجويني والقرطبي، وراجع كلامهم في الرسالة العلمية للدكتور حافظ محمد أنور (ولاية المرأة في الفقه الإسلامي) ورسالة الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي: (الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة).
وجاء في (الموسوعة الفقهية) في عد الشروط المتفق عليها بين الفقهاء للإمامة العظمى: الذكورة، فلا تصح إمارة النساء؛ لخبر: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. ولأن هذا المنصب تناط به أعمال خطيرة وأعباء جسيمة تتنافى مع طبيعة المرأة وفوق طاقتها. فيتولى الإمام قيادة الجيوش ويشترك في القتال بنفسه أحيانا. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 23790.
وأما قصة بلقيس فلا يصح الاستدلال بها على صحة تقلد المرأة لهذا المنصب في الإسلام، إذ الاتفاق حاصل على أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا إذا أتى في شرعنا ما يخالفه. فكيف وهذه القصة ليست بشرع أصلا؛ إذ إن هذه الملكة كانت من قوم كافرين، كما قال تعالى على لسان الهدهد: وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ {النمل: 24} وقال سبحانه: وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ {النمل: 43}.
وقد رد الشيخ حافظ في كتابة (ولاية المرأة) هذه الشبهة فقال:
جواب: لا يصح الاستدلال بهذه الواقعة على جواز خلافة المرأة في الإسلام لأن هذا عمل القوم الكافرين، كانوا يسجدون للشمس، قال تعالى على لسان الهدهد: وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ {النمل:24}
فلا يجوز الاحتجاج بعمل قوم غير مسلمين، ثم إن سليمان عليه الصلاة والسلام لم يسلم بحكومتها وملكها بل أمرها وقومها أن يأتوا إليه مذعنين، قال تعالى حكاية عن سليمان: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {النمل:31} وهذا دليل على أن سليمان لم ير صحة ملكها، بل جعلها تطيع أمر الله وأمر رسوله حتى لم يقبل هداياها.
ثم ختمها الله هذه الواقعة بإسلام هذه المرأة، وليس فيها ما يدل على أن الله تعالى مدحها وأثنى عليها، ولا ما يدل على أن سليمان عليه الصلاة والسلام أبقاها على ملكها، ما جاء مثل هذا في الكتاب ولا في السنة الصحيحة.
ويذكر في بعض الروايات أنها أسلمت ثم تزوجها سليمان، وقيل: إنه ردها إلى مملكتها، وكان يزروها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام، وقيل: إنه زوجها بعض الملوك ولم يتزوجها هو.
ولكن هذه روايات إسرائيلية لا يعتمد عليها في شيء، فلذا قال قوم: لم يرد فيه خبر صحيح.
ثم إنه لو سلمنا أنها بقيت على ملكها بعد إسلامها، وأقرها سليمان فإنه ليس بحجة لنا في شريعتنا، لأن الإسلام نهانا عن تولية المرأة الملك، وقد دلت الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة على ذلك، فلذا لا يصح الاحتجاج بهذه الواقعة أيضا.
قال في روح المعاني: ( وليس في الآية ما يدل على جواز أن تكون المرأة ملكة، ولا حجة في عمل قوم كفرة على مثل هذا المطلب. انتهى.
وأما مسألة عمل المرأة فلا حرج من حيث الأصل، إلا إن له ضوابط وآدابا لا بد من مراعاتها، وقد سبق لنا بيانها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5181، 19929، 522، 3859 ، 8528.
والله أعلم.