الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف الفقهاء في مجرد تحريك اللسان بالطلاق من غير أن يسمع المرء نفسه هل يقع به الطلاق أو لا؟ فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يكفي مجرد حركة اللسان من غير أن يسمع نفسه، ففي الفتاوى الهندية في الفقه الحنفي قولهم في معرض الكلام عن القراءة في الصلاة: وأما حد القراءة فنقول تصحيح الحروف أمر لا بد منه، فإن صحح الحروف بلسانه ولم يسمع نفسه لا يجوز وبه أخذ عامة المشايخ هكذا في المحيط وهو المختار، هكذا في السراجية وهو الصحيح، هكذا في النقاية وعلى هذا نحو التسمية على الذبيحة والاستثناء في اليمين والطلاق والعتاق والإيلاء والبيع. اهـ.
وفي مغني المحتاج في الفقه الشافعي قول الشربيني: تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يقع طلاق بنية من غير لفظ وهو كذلك ولا بتحريك لسانه بكلمة الطلاق إذا لم يرفع صوته بقدر ما يسمع نفسه مع اعتدال سمعه وعدم المانع، لأن هذا ليس بكلام. اهـ.
وفي مطالب أولي النهى للرحيباني الحنبلي قوله: وإن تلفظ به، أو حرك لسانه وقع طلاقه ولو لم يسمعه. اهـ.
ولم نجد للمالكية نصا في هذه المسألة، ولكن المعروف عنهم أنهم يقولون بالإجزاء بمجرد حركة اللسان في القراءة في الصلاة وكذا في الاستثناء في اليمين ونحو ذلك، قال خليل في مختصره عند الكلام عن فرائض الصلاة: وفاتحة وإن بحركة لسان وإن لم يسمع بها نفسه.
وقال وهو يبين شروط الاستثناء في اليمين: ونطق به وإن سرا بحركة لسانه.
وقد أخذت دار الإفتاء المصرية بقول الجمهور حيث قالوا: فلو طلق بحيث صحح الحروف ولكن لم يسمع نفسه لا يقع طلاقه.
وبما أنك موسوس فإنا نفتيك بأن تأخذ بهذا القول وهو أنه لا يقع الطلاق بحركة اللسان من غير إسماع النفس، وأما حكاية الطلاق من غير قصد إنشاء طلاق فلا يقع به الطلاق، وراجع الفتوى رقم: 48463.
وكذا كتابة الزوج عبارة: هل تريدين الطلاق ـ لا يقع بها الطلاق، لأنه من جهة مجرد استفهام، ومن جهة أخرى لم يقصد بذلك إيقاع الطلاق.
ويقع الطلاق إذا تلفظ به الزوج حال الاختيار، وأما إن تلفظ به بدافع الوسوسة فلا يؤثر، والموسوس غالبا ليس له اختيار ولا قصد، بل هو كالمكره، أو المجنون فما صدر عنه في هذه الحالة من طلاق وغيره لا أثر له، وقد ذكرنا كلام الشيخ ابن عثيمين بهذا الخصوص بالفتوى رقم: 147855.
وننصحك بمدافعة هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها وتذكر دائما أن يقين الزواج لا يزول بالشك في الطلاق ولا تكثر من السؤال بخصوصه، فإن كثرة الأسئلة لن تزيدك إلا مزيد حيرة واضطراب واجتهد في علاج هذه الوساوس، ولمعرفة كيفية علاجها راجع الفتوى رقم: 3086.
والله أعلم.