الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالملالة والسآمة مما يعرض للنفس البشرية في كل عصر، على تفاوت بين الناس في ذلك، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلونا بالموعظة مخافة السآمة علينا. قال النووي: السآمة بالمد الملل. انتهى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقل أحدكم خبثت نفسي، وليقل لقست نفسي. متفق عليه.
قال النووي: قال أبو عبيد وجميع أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم: لقست وخبثت بمعنى واحد، وإنما كره لفظ الخبث لبشاعة الاسم، وعلمهم الأدب في الألفاظ واستعمال حسنها وهجران خبيثها، قالوا: ومعنى لقست غثت. وقال ابن الأعرابي: معناه ضاقت. انتهى.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ. فكل سوء عملنا جزينا به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قال: بلى. قال: فهو ما تجزون به. رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني.
فهذه العوارض تصيب النفوس البشرية جميعاً، ولا يكاد أحد من الصحابة ولا غيرهم يخلص منها، إلا أن التفاوت الحقيقي بين الناس يظهر في كيفية التعامل معها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً. فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد وصححه الألباني.
وقال الباحث علي الشحود في النبوة والأنبياء في القرآن والسنة: المزاح والمداعبة شيء محبب إلى النفوس، فهو يبعث على النشاط والإقبال على الأعمال بجد وطاقة، ولا حرج فيه ما دام منضبطاً بضوابط الشرع ولا يترتب عليه ضرر، بل هو مطلوب ومرغوب، وذلك لأن النفس يعتريها السآمة والملل، فلا بد من فترات راحة، وليس أدل على أهمية المزاح والحاجة إليه مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل، فقد كان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويداعب أهله. انتهى.
والله أعلم.