الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب هو قضاء هذا الدين قبل قسمة التركة، فليس على من توفي وترك ميراثا يفي بدينه من ضرر في ذلك بل الحرج على ورثته الذين ينتفعون بتركته دون قضاء دينه، ثم إن عفو أخوات المتوفى ـ وهن غرماؤه ـ عن دينهن، لا يلزم أن يكون بسيف الحياء، بل قد يكون عن رضا وطيب خاطر، وعندئذ تبرأ ذمة المتوفى، ويقسم الميراث كله على الورثة بحسب أنصبتهم الشرعية، وأما إن كان ذلك بسيف الحياء فعلا، فلا يسقط حقهن في قضاء هذا الدين، فإن امتنع بعض الورثة من قضائه، أو جحدوه، فيجزئ السائلة إن أخذت نصيبها من التركة أن تدفع ربعه لغرماء زوجها، ويحل لها الباقي على الراجح، قال ابن قدامة في المغني: إن أقر أحد الورثة ـ يعني بدين على المورث ـ لزمه من الدين بقدر ميراثه، وإذا قدره من الدين، فإن كانا اثنين لزمه النصف، وإن كانوا ثلاثة فعليه الثلث، وبهذا قال النخعي والحسن والحكم وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه، لأنه إقرار يتعلق بحصته، فلا يجب عليه إلا ما يخصه. اهـ.
وإن لم تأخذ السائلة نصيبها من التركة، فلا يلزمها شيء تجاه غرماء زوجها، وأما امتناع إخوة الزوج من إعطاء السائلة نصيبها من التركة فهو جور وظلم بيِّن، فإن الله تعالى هو الذي تولى قسمة المواريث بنفسه، فلا يحل لأحد أن يمنع وارثا حقه في الإرث، فقد قال الله تعالى بعد أن بيَّن أنصبة المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ { النساء: 13ـ 14}.
هذا، وننبه على أن مؤخر الصداق يدخل في جملة الديون المتعلقة بذمة الزوج، فيجب إخراجه من التركة قبل قسمتها كسائر الديون، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 6236.
ولا حرج على الزوجة في مطالبتها بمؤخر صداقها وبنصيبها من تركة زوجها، وليس في ذلك ما تلام عليه ولا ما يقدح في وفائها لزوجها المتوفى، سواء طالت مدة الزوجية، أو قصرت، وإنما اللوم والحرج على من منع الناس حقوقهم وطمع في ما ليس له.
والله أعلم.