الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تكاثرت النصوص الدالة على أن المصائب يحصل بها للعبد تكفير السيئات ومغفرة الذنوب ورفعة الدرجات، فمن ذلك حديث أبي سعيد وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. متفق عليه.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى: شوكة فما فوقها ـ إلا كفر الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها. متفق عليه.
وهذا محمول عند جمهور العلماء على الصغائر, وأما الكبائر فإنها تفتقر إلى توبة خاصة, ولا شك أن ترك الصلاة من كبائر الذنوب, وكذا تعمد الفطر في رمضان, وأما تأخير قضاء الصوم فمحل خلاف بين العلماء فمنهم من يجوزه مطلقا كالحنفية، ومنهم من يجوزه إلى رمضان التالي وهو مذهب الجمهور يوجبون فيه الفدية وهي إطعام مسكين لكل يوم أخر قضاؤه, قال في مرعاة المفاتيح في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: إلا كفر الله بها من خطاياه ـ ما لفظه: ظاهره تعميم جميع الذنوب, لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر، لحديث: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ـ فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد, كذا في الفتح. انتهى.
وقال في الفجر الساطع: إلا كفر الله بها من خطاياه أي بعضها وهي الصغائر. انتهى.
وإذا تبين هذا، فإن الذنوب التي تكفرها المصائب هي الصغائر، وأما الكبائر كترك الصلاة فتحتاج إلى توبة خاصة ومن شروطها عند الجمهور قضاء تلك الصلاة التي تركها والمبادرة بصوم اليوم الذي أفطره، أو أخر قضاءه، فإن هذا دين في الذمة لا تبرأ الذمة إلا بفعله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.
والله أعلم.