الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان مقصود السائل بقوله: بعد كل خطبة ـ أن ذلك يكون عند دعاء الإمام على المنبر قبل نزوله، فالجواب أن الدعاء مشروع في نهاية الخطبة ويشرع للمأمومين أن يؤمنوا عليه سرا، كما بيناه في الفتوى رقم: 3624
وأما إن كان مقصوده بذلك الدعاء بعد نزول الإمام سواء قبل الصلاة، أو بعدها، فإن الدعاء بهذه الصفة أمر محدث فلا تشارك فيه لا بدعاء ولا بتأمين, والدعاء للسلطان على المنبر اختلف فيه الفقهاء, فقال بعضهم محدث، وقال آخرون لا بأس به, وفصل بعضهم فقال أمر محدث في الأصل، ولكن نظرا لانتشاره فإنه يفعل، لأن السلاطين قد يظنون سوءا بمن لا يفعله, جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي نقلا عن ابن عرفة: وأما بدعة ذكر السلاطين بالدعاء والقول السالم من الكذب: فأصل وضعها في الخطبة من حيث ذاته مرجوح، لأنها مما لم يشهد الشرع باعتبار حسنها فيما أعلم، وأما بعد إحداثها واستمرارها في الخطب في أقطار الأرض وصيرورة عدم ذكرها مظنة اعتقاد السلاطين في الخطيب ما يخشى غوائله ولا تؤمن عاقبته فذكرهم في الخطب راجح، أو واجب. اهـ.
وقال سند: وأما الدعاء للسلاطين: فلا يستحب، لما روي عن عطاء أنه سئل عن ذلك، فقال هو محدث.
وقال في الروض لابن المقري من الشافعية: والمختار لا بأس بالدعاء للسلاطين ـ قال في شرحه: ما لم تكن فيه مجاوزة في وصفه، إذ يستحب الدعاء بصلاح السلطان. اهـ.
ومنهم من يرى أنه لا يستحب، كما صرح بذلك صاحب المهذب في الفقه الشافعي، فقال: وأما الدعاء للسلطان فلا يستحب، لما روي أنه سئل عطاء عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً. اهـ.
وبعض العلماء استحب الدعاء للسلطان، قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ يَعْنِي عُمُومًا وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ لِمُعَيِّنٍ مُطْلَقًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ وما هو بِبَعِيدٍ، وَالدُّعَاءُ له مُسْتَحَبٌّ في الْجُمْلَةِ. اهـ.
ولعل التفصيل أحسن فيقال إن كانت العادة جرت بأن يدعو الخطباء للسلطان فينبغي الدعاء له من غير كذب ومبالغة في الوصف, وإن لم تجر العادة بالدعاء له فلا يدعو، لأن الدعاء له على المنبر والمواظبة على ذلك ليس من فعل السلف ـ كما تقدم ـ وبه تعلم أنه ما دامت العادة جارية بالدعاء للسلطان في بلدكم فينبغي لك التأمين على دعاء الخطيب ما لم يقل منكرا.
والله أعلم.