الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح، ثم اعلمي أن رغبة الإنسان في أن يكون له شأن وطموحه في تحصيل مرتبة سامية لا يتنافى مع الإخلاص، إذا كان إنما يقصد ذلك لتحصيل مقاصد شرعية لا لمجرد إصابة عرض الدنيا وحطامها، فإذا كانت رغبتك في تحصيل هذه المرتبة العالية في الدراسة والتحصيل بقصد أن تسري أمك وأن يكون لك شأن في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ الحق ونصرة الدين فهذا حسن طيب ونفس هذه النية من نفع المسلمين ونصرة الدين مما تؤجرين عليه ـ إن شاء الله ـ وقد قال يوسف عليه السلام لملك مصر: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {يوسف:55}.
قال القاسمي ـ رحمه الله: طلب يوسف ـ عليه السلام ـ منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم ويتوسل به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان. انتهى.
فمن طلب الرفعة في الدنيا لمقصد حسن تأسيا بنبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ لم يكن مذموما، بل هو محمود مأجور ـ إن شاء الله ـ والذي ننصحك به هو أن تجتهدي في دراستك وأن تخلصي لربك تعالى وأن تستحضري بطلبك الترقي في مدارج الدراسة ما أشرنا إليه من النيات الصالحة، واعلمي أن من جاهد نفسه في تحقيق الإخلاص وفقه الله لتحصيله ومن عليه به، فإن تحصيل الإخلاص في طوق البشر وإلا لما كلفهم الله به: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {البينة:5}.
وما ورد عن السلف من عبارات ظاهرها يخالف ذلك فإنها تحمل على ترغيبهم وحثهم على تعاهد النفس وعدم إهمال مراقبة السرائر، فإن من غفل عن مراقبة النفس وأحوالها تسللت إليه دسائس الشيطان فيقع في الرياء من حيث لا يشعر.
والله أعلم.