الدعاء بـ (اللهم احكم بالحق) بين الجواز والمنع

10-1-2011 | إسلام ويب

السؤال:
شيوخنا الأفاضل أكرمكم الله ونفع بكم الأمة
وبعد
سؤالي هو: كلما دعا زوجي في مجمع أو لوحده قال اللهم احكم بالحق. وأنا أخاف ويقشعر بدني عندما أسمع هذا الدعاء. قلت له لا تقل اللهم احكم بالحق لأن الله لو حكم بالحق سيلقي بنا في جهنم. قلت له قل: اللهم تجاوز عنا واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم. وكلنا نعلم أن فتن هذا الزمان لن يسلم منها أحد ونرجو من الله اللطف والغفران. وقلت له وهل تشك في حقانية الله وله اسم من أسمائه الحسنى الحق العادل بل نطلب منه أن يتجاوز عنا ويغفر لنا ويرحمنا لأنه يغفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر.
فما هو الصواب جزاكم الله خيرا عنا؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان زوجك يريد بهذا الدعاء سؤال الله تعالى أن يحكم بظهور الحق على الباطل، ويقضي بنصره ويعلي كلمته فهذا دعاء حسن ولا حرج على زوجك في أن يدعو به، ولا وجه للومك له على الدعاء به إذا كان هذا هو مراده منه، فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذا الدعاء فقال تعالى: قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ. {الأنبياء: 112}. والقراءة بضم القاف ولام بعدها هي قراءة الجمهور، وقرأ حفص عن عاصم بفتح القاف وألف بعدها على الخبر، وعلى قراءته فإن هذا إخبار من الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه دعا بهذا الدعاء. وعلى كل تقدير فالدعاء بهذا الدعاء مشروع.

 قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ: أَيِ: افْصِلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ {الْأَعْرَافِ: 89}، وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ. وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَهِدَ قِتَالًا قَالَ: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ. انتهى.

 وقال القاسمي رحمه الله: قال وقرئ (قل) رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي افصل بيننا وبينهم بالحق. وذلك بنصر من آمن بما أنزلت، على من كفر به، كقوله تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ {الأعراف: 89}. انتهى.

وأما إن كان مراده سؤال الله تعالى أن يحكم فيه بعدله وأن يعامله بمقتضى عمله وما قدمت يده وثوقا منه بنفسه وركونا منه إلى عمله فهذا خطر عظيم وخطأ جسيم، فإن العباد لا غنى لهم عن رحمة الله تعالى طرفة عين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحدا لن يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. وقد قال عز وجل: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ . {النحل: 61}.

 قال ابن القيم رحمه الله: الصراط المستقيم الذي فطر الله عليه عباده وجاءت به الرسل ونزلت به الكتب وهو أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب مقتضية لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله وفضله ومنه وصدقته على عبده إن أعانه عليها ووفقه لها وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها وحببها إليه وزينها في قلبه وكره إليه أضداها، ومع هذا فليست ثمنا لجزائه وثوابه ولا هي على قدره بل غايتها إذا بذل العبد فيها نصحه وجهده وأوقعها على أكمل الوجوه أن تقع شكرا له على بعض نعمه عليه، فلو طالبه بحقه لبقي عليه من الشكر على تلك النعمة بقية لم يقم بشكرها، فلذلك لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

 فإن كان زوجك يريد بدعائه هذا المعنى فلا شك في استحقاقه اللوم، وأن الصواب معك إذن.

والله أعلم.

www.islamweb.net