الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي نقطع به أنك لم تصدق في توبتك ولم تأخذ بالأسباب الكفيلة بنجاتك من وحل الذنوب وحضيض الأوزار، فإنك لو صدقت في التوبة وأتيت بها على وجهها وعلم الله منك الإخلاص والصدق فإنه تعالى يوفقك ويعينك ويسددك ويقبل توبتك ويقيل عثرتك ويبدل سيئاتك حسنات، وقد وعد تعالى من جاهد نفسه فيه أن يهديه ومن أصدق من الله قيلا فقال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
وفي الحديث القدسي المتفق على صحته: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة.
فعليك أيها الأخ الكريم أن تصدق في توبتك وأن تندم على ذنوبك وتعزم عزما جازما على عدم العودة إليها، وثق بأن الله إذا اطلع منك على صدق الإقبال عليه وإرادة ما عنده فلن يخذلك ولن يخيب سعيك فإن الشأن كما يقول ابن القيم رحمه الله: فإن الله عز وجل قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أَقبل إِليه تلقاه من بعيد ومن تصرف بحوله وقوته أَلان له الحديد، ومن ترك لأَجله أَعطاه فوق المزيد، ومن أَراد مراده الدينى أَراد ما يريد. انتهى.
ومن الأسباب المعينة لك على التوبة أن تكثر من التفكر في الموت وما بعده والموقف بين يدي الله تعالى، وأن تستحضر اطلاعه تعالى عليك وإحاطته بك وأنه لا يخفى عليه شيء من أمرك، وعليك بمصاحبة أهل الخير والصلاح الذين يعينونك على طاعة الله تعالى فإن رفقاء الخير من أعظم العون على الاستقامة، وأما ثقل الصلاة عليك فعالجه بالمحافظة عليها ومجاهدة النفس على ذلك، ثم استحضر موقفك فيها بين يدي ربك تعالى، واجتهد في إحضار قلبك والتفكر في الأذكار التي ترددها والآيات التي تتلوها، فإذا فعلت ذلك خفت عليك الصلاة وصارت قرة عينك ولذة نفسك وبهجة روحك، وانظر الفتوى رقم: 139488، وفي الفتوى رقم: 139680 بينا أن التلذذ بالطاعة لا يكون إلا بالمجاهدة والمصابرة فانظرها للفائدة.
والله أعلم.