الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما حدث منك من منكرات هو نتيجة لكيد الشيطان ومكره وتزيينه ووسوسته واسترسالك معه في خطواته ومكائده، فهو عدو الإنسان، ولذا حذر الله تعالى منه فقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر: 6}.
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وراجع في شروط التوبة الفتوى رقم: 5450.
وينبغي أن تحمد الله عز وجل أن أبقاك حيا ولم يقبض روحك وأنت قائم في ما يسخطه، واعلم أن رحمة الله واسعة فلا يعظم عليها ذنب، وأن من تاب تاب الله عليه. فأحسن الظن بالله، وأقبل إليه بصدق وإخلاص فإنه يقبلك، وكن على حذر من أن يوقعك الشيطان في القنوط من رحمة الله. وراجع الفتوى رقم: 20894 والفتوى رقم: 29427.
والإيمان بالقضاء والقدر هو برد اليقين على القلب الحزين، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد:23،22 }.
فلا تحزن على ما فاتك من زواجك من الفتاة التي أحببت، فقد يكون في صرف الله لك عنها خير، قال سبحانه: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ({البقرة: }
وعليك بمواصلة البحث عن فتاة صالحة ذات دين، واحرص على العفاف والصوم وكل ما يبعد عن إثارة الشهوة، ومن ذلك غض البصر عن النظر إلى النساء. وانظر الفتوى رقم: 135030.
وما ذكرت من امتنانك على الله بأنك تركت له أشياء ولم يعوضك عنها، وأن الدين لا ينفع لبناء مجتمع متحضر...الخ من هذا الكلام الذي ألقاه الشيطان في نفسك وليس له عليه أدنى برهان. بل الدين الصحيح دين الإسلام هو أساس الحضارة، والمتدينون من المسلمين الذي لزموا منهج الوسطية والاعتدال هم سادة الدنيا وقادة الناس في كل المجالات العلمية والعملية. وهذه الخواطر الشيطانية إن كانت مجرد خواطر تأتي على قلبك وتقوم بمدافعتها فإنها لا تضرك، ولكن لا يجوز لك أن تجعلها تستقر في قلبك وتطمئن بها نفسك لئلا تؤدي بك إلى الكفر، وراجع الفتوى رقم: 28751.
وننبهك في ختام هذا الجواب إلى بعض الأمور التي وردت في سؤالك:
الأمر الأول: أنه يجب عليك التوبة مما وقع منك من النظر إلى النساء في نهار رمضان وإفساد الصوم بالاستمناء، ويجب عليك قضاء ذلك اليوم الذي أفسدته. وراجع الفتوى رقم: 53163.
الأمر الثاني: أن تكفير الشخص المعين أمر خطير وله ضوابطه وشروطه التي تجب مراعاتها وهي مبينة بالفتوى رقم: 721.
فاحذر من اتهام الناس بالكفر والنفاق، أو النظر إلى مجتمعات المسلمين بنظرة اليأس والإحباط، ففي الحديث: ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم
وخير من هذا أن تسعى مع الدعاة في الإصلاح والنصيحة.
الأمر الثالث: أنه لا ينبغي للمسلم أن يستدين ليتصدق.
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسيره: فإن قال قائل: هل يجوز أن يتدين الإنسان ليتصدق؟
فالجواب: لا. لأن الصدقة تطوع، والتزام الدّين خطر عظيم، لأن الدين ليس بالأمر الهين، فالإنسان إذا مات وعليه دين فإن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وكثير من الورثة لا يهتم بدين الميت، تجده يتأخر يماطل وربما لا يوفيه. وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدمت إليه جنازة سأل هل عليه دين له وفاء؟ فإن قالوا لا، قال: «صلوا على صاحبكم». وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين أمره عظيم، لا يجوز للإنسان أن يتهاون به...اهـ.
الأمر الرابع: أن من أهم ما يعينك على تجاوز محنتك هذه القناعة والرضى ودع عنك الشروط المثالية في المرأة التي تريدها زوجة لك، فإذا وجدت من تؤدي الفرائض وتجتنب المحرمات وبها قدر لا بأس به من الجمال يحصل به المقصود ففيها خير وبركة.
والله أعلم.