الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فخلاصة الجواب أن هذا الدم الذي تراه المرأة دم حيض, وأنها تعتبر جميع ما تراه من الدم حيضا دون التفات إلى عادتها السابقة, ما لم تتجاوز مدة الدم خمسة عشر يوما, فإذا تجاوزت مدة الدم خمسة عشر يوما علمنا أنها مستحاضة فترجع إلى عادتها الثانية وهي الأيام الخمسة فتجلسها وما زاد عليها يكون استحاضة, وزيادة في البيان نقول: ليعلم ـ أولا ـ أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن أكثر سن تحيض لها المرأة هي خمسون سنة، فإذا رأت الدم بعد ذلك لم تعده حيضا, ولكن الراجح أن سن الحيض لا يتقيد بخمسين وأن من رأت الدم بعد ذلك فإنها تعده حيضا, جاء في الروض مع حاشيته: ولا حيض بعد خمسين سنة، لقول عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين خرجت من حد الحيض ـ ذكره أحمد, ولا فرق بين نساء العرب وغيرهن، يعني فمتى بلغت المرأة خمسين فليس بحيض فلا تجلسه, وعنه: لا حد لأكثره وفاقا لأبي حنيفة, واختاره الشيخ وغيره, وصححه في الكافي, وصوبه في الإنصاف, وقال مالك والشافعي: ليس له حد, وإنما الرجوع فيه إلى العادات في البلدان. اهـ.
فتجلس عادة جلوسها في عادة حيضها, ولا تسمى آيسة حتى ينقطع لكبر، أو تغير لقوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ {الطلاق:4} الآية وهو أحوط وعليه العمل. انتهى.
فإذا تبين هذا، فإن الدم الذي رأته هذه المرأة يعد دم حيض, ثم الراجح أن كل دم تراه المرأة في زمن الإمكان ولو جاوز مدة عادتها يعد حيضا, ومن ثم، فإن هذه المرأة تعتبر جميع ما تراه من الدم حيضا سواء وافق عادتها قبل الزواج، أو بعده، أو زاد عليها, مالم يجاوز مجموع أيام الدم خمسة عشر يوما فتكون حينئذ مستحاضة, قال الموفق ـ رحمه الله ـ في الكافي: القسم الثاني أن ترى الدم في غير عادتها قبلها، أو بعدها مع بقاء عادتها، أو طهرها فيها، أو في بعضها، فالمذهب أنها لا تجلس ما خرج عن العادة حتى يتكرر وفي روايتان إحداهما ثلاثا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: دعي الصلاة أيام أقرائك ـ وأقل ذلك ثلاثا والثانية مرتان، لأن العادة مأخوذة من المعاودة وذلك يحصل بمرتين فعلى هذا تصوم وتصلي فيما خرج عن العادة مرتين، أو ثلاثا، فإذا تكرر انتقلت إليه وصار عادة وأعادت ما صامته من الفرض فيه، لأنا تبينا أنها صامته في حيضها، قال الشيخ: رحمه الله تعالى: ويقوي عندي أنها تجلس متى رأت دما يمكن أن يكون حيضا وافق العادة أو خالفها، لأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ـ ولم تقيده بالعادة فظاهر الأخبار تدل على أن النساء كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا من غير افتقاد عادة ولم ينقل عنهن ذكر العادة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان لها ولا استفصال عنها إلا في التي قالت إني أستحاض فلا أطهر وشبهها من المستحاضات، أما في امرأة يأتي دمها في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم تطهر فلا, والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ولم يأت من الشرع تغيره ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف، والعرف أن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص وفي أعتبار العادة على هذا الوجه إخلال ببعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتها للدم في وقت الحيض على صفته وهذا لا سبيل إليه. انتهى.
وبه يتبين بوضوح ما رجحناه من أنه لا التفات إلى العادة السابقة ما لم يتجاوز الدم خمسة عشر يوما, فإذا طهرت قبل تمام خمسة عشر يوما فجميع ما رأته حيض, وإذا تجاوز الدم خمسة عشر يوما تبينا أنها مستحاضة فترجع حينئذ إلى عادتها السابقة, وإذا صارت مستحاضة بأن جاوز الدم خمسة عشر يوما فإنها ترجع إلى عادتها التي كانت تعرفها قبل الاستحاضة, وهي خمسة أيام, ولا تلتفت إلى عادتها قبل ذلك, قال في كشاف القناع: فلو نقضت عادتها ثم استحيضت بعده أي بعد النقص كأن كانت عادتها عشرة أيام فرأت الدم سبعة ثم استحيضت في الشهر الآخر جلست السبعة، لأنها التي استقرت عليها عادتها. انتهى.
والله أعلم.