الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمع وضوح المراد بهذه العبارة إلا أننا لم نطلع عليها في كلام أحد من أهل العلم الراسخين، وهي من حيث الواقع أقرب للوهم منها إلى الحقيقة، فلا المتبعون لمنهج السلف في حاجة إلى مناهج الصوفية؛ لاستغنائهم بالكتاب والسنة والآثار الثابتة عن سلف هذه الأمة في كافة مسائل الدين أصوله وفروعه. ولا الصوفية في مجموعهم يقبلون التخلي عن مناهجهم وطرقهم ذات الألقاب والخصوصيات المعروفة، رجوعا لمنهج السلف الذي كان قبل أن وجود الصوفية !!
فنقول: هما طريقان لا يلتقيان، القرآن والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والإحداث في دين الله وابتداع مناهج للتعبد ما أنزل الله بها من سلطان. وبحمد الله وفضله أن المفاضلة بين هاتين الطريقتين واضحة بينة، فالحق واحد أبلج، وأما الباطل فله طرق بعدد أهواء البشر، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {الأنعام: 153}. وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ .. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه واللفظ له، وصححه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. رواه الترمذي، وحسنه الألباني. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 70032.
ثم ينبغي أن ننبه على أن مصطلح التصوف مصطلح حادث، وقد مر بأطوار مختلفة وانتسب له أناس مختلفو المشارب، وقد كان في وقت من الأوقات يعني عند بعض أهل العلم: الزهد والورع والاشتغال بالعبادة والانقطاع عن الدنيا، إلا إن ذلك لم يدم طويلا حتى دخل عليه الفكر الفلسفي فأخرجه عن مجرد السلوك والتعبد إلى طرق مبتدعة من حيث التأصيل والتفريع، وصدق الصحابي الجليل معاذ بن جبل حين قال: إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره! فإياكم وما ابتدع؛ فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق. رواه أبو داود وصححه الألباني.
والطرق الصوفية المعاصرة فيها كثير من الانحرافات الخطيرة، كالغلو في المشايخ والصالحين، وتقديم العبادة للأضرحة والمشاهد، دعاء واستغاثة ونذراً وذبحاً وطوافاً، وهذا من الشرك الذي لا يغفر، ومن تأمل ما يقوله الصوفية في مناسباتهم واحتفالاتهم عرف مدى الخطورة والانحراف الذي وصلوا إليه، وقد سبق لنا بيان شيء من ذلك في عدة فتاوى، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 29243، 13742، 7230، 13353، 8500، 27699.
كما سبق لنا في الفتوى رقم: 102883 التنبيه على أن هذه الطرق تتفاوت في ما بينها قربا وبعدا عن السنة. وإننا ننصح بقراءة كتب الشيخ إحسان إلهي ظهير، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، والشيخ محمد جميل غازي، والشيخ عبد الرحمن الوكيل، عن الصوفية، ففيها بيان لحال القوم وبيان رأي الأئمة فيهم.
وأما السلفية فقد سبق لنا بيان معناها وأدلة صحة منهجها في الفتويين : 5608 ، 31293.
والله أعلم.