الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا حرج عليكم في قولكم أنكم لا تتهمون شخصا ما بالقتل وأنكم تشهدون له بالخير ما دمتم تعرفونه بذلك، ولكن الشخص ما دام متهما من طرف الشرطة، فإن كلامكم قد لا يفيد إذا وجد من القرائن ما يفيد غلبة الظن أنه هو القاتل، فحينئذ تكون لوثا يستحق به أولياء الدم القسامة والدية دون القود، أو القود عند من يقول به في القسامة ـ وهم المالكية ـ فوجود المرأة مقتولة في بيت الزوجية يعتبر لوثا يسوغ لأوليائها مطالبة قاتلها بحقهم، وقد اختلف في تعريف اللوث، قال الماوردي في الأحكام السلطانية ـ وهو شافعي: وإذا ادعى قوم قتلا على قوم ومع الدعوى لوث، واللوث أن يعنوا بالدعوى ما يوقع في النفس صدق المدعي فيصير القول باللوث قول المدعي فيحلف خمسين يمينا ويحكم له بالدية دون القود. اهـ.
وقال صاحب الجوهرة النيرة ـ وهو حنفي: واللوث: أن يكون هناك علامة للقتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة، أو شهادة عدل، أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه.
وقال المرداوي في الإنصاف ـ وهو حنبلي: اللوث: وهي العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب.
وقال خليل بن إسحاق ـ وهو مالكي: والقسامة سببها قتل الحر المسلم في محل اللوث ـ كأن يقول بالغ حر. قتلني فلان ـ يعني قبل موته ـ وكشاهدين بجرح، أو ضرب، وكالعدل فقط في معاينة القتل، أو رآه يتشحط في دمه والمتهم قربه وعليه آثاره.
ولكنه لو لم يثبت على واحد من الطرفين جريمة القتل، فإن شهادتكم بالخير قد تفيد في عدم تعزير السلطة له كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ومن اتهم بقتل وكان معروفا بالفجور فلولي الأمر عند طائفة من العلماء أن يعاقبه تعزيرا على فجوره وتعزيرا له، وبهذا وأمثاله يحصل مقصود السياسة العادلة. اهـ.
ومفهوم هذا أنه لا يعزر من لم يكن معروفا بالفجور.
هذا، وننصحكم بتفادي ما تخشونه بحض أولياء المرأة المقتولة على الصلح وقبول الدية وإقناع الأطراف الأخرى بالتعاون معكم في ذلك والاعتذار، لقول الله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا. {الحجرات: 9}. وقوله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. {النساء: 128}. وقوله تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.{النساء: 114}. وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. {الحجرات: 10}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا. رواه أبو داود وغيره، وقال عنه الألباني: حسن صحيح.
ورغبوا أولياء المرأة المقتولة في العفو، فقد أمر الله تعالى بالعفو والصفح، فقال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {المائدة: من الآية 13}. وقال: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ. {الحجر: من الآية 85}.
وفي صحيح مسلم: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً.
فإذا تحقق هذا فاطلبوا من أولياء المقتولة أن يذهبوا معكم للشرطة ويصرحوا بالعفو.
والله أعلم.