الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما ينسب لجمهور أهل العلم في هذه المسألة ما نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية عن صاحب المحيط من الحنفية: أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة الفقه والأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام. اهـ.
وهذا يعني أن معرفة أصل الدين وعلم اليقين هو الأفضل مطلقا، وهذا هو ما يعود إلى العلم بشهادة التوحيد وما تتضمنه وتستلزمه من العلوم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ورد في فضل هذه الكلمة: شهادة أن لا إله إلا الله، من الدلائل ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، وهى أفضل الكلام، وما فيها من العلم والمحبة أفضل العلوم والمحبات، كالحديث الذي في السنن: أفضل الذكر لا إله إلا الله. والآية المتضمنة لها أعظم آية في القرآن، كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: يا أبا المنذر أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال: فضرب بيده صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر. اهـ.
وقال ابن أبي العز الحنفي في مقدمة شرح الطحاوية: لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين: الفقه الأكبر وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه. اهـ.
وهذا من حيث الجملة، وإلا فلابد من التنبه إلى أن الأفضل نفسه على مراتب، فمسائل كل علم تتفاوت من حيث الأهمية والمنفعة، ولذلك قد تكون مسألة من الفروع الفقهية التي يصح به أداء الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج أولى وأهم وأفضل من بعض المسألة التفصيلية التي يتناولها علم التوحيد. ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن ما يتعلق بفرض العين أفضل مما يتعلق بفرض الكفاية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 45376.
وتنبيه آخر مهم، وهو أن علوم القرآن والسنة، أو التفسير والحديث، لا يمكن فصلهما حقيقة عن بقية العلوم كالتوحيد والفقه، لأنهما الأصل الذي تبنى عليه بقية العلوم، فعلم التوحيد مثلا لا يزيد عن كونه تفقها وتدبرا وتأصيلا للآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن. وكذلك علم الفقه. وهذا يعني أن الدارس للتوحيد والفقه لا ينفك أبدا عن مدارسة الكتاب والسنة. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 47101.
والله أعلم.