الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن جماهير العلماء قالوا بتحريم الموسيقى. وذكر بعضهم الإجماع على ذلك، وقد استدلوا على التحريم بجملة من نصوص الوحي من القرآن والسنة منها قول الله تبارك وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. {لقمان:6}. وقد فسر كثير من أهل العلم لَهْوَ الْحَدِيثِ بأنه المعازف والمزامير والآلات الموسيقية، كما روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم. ومنها ما جاء في صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحَرِيرَ والخمر والمعازف..
إلى غير ذلك من الأدلة، وانظر الفتوى رقم: 54439.
وأما القائلون بالإباحة فيقولون: إن ما ورد من نصوص الوحي ليس قطعي الدلالة على التحريم، وبعضها ليس قطعي الثبوت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وننقل لك بعض ما ذكره الإمام الشوكاني في نيل الأوطار عن هذا الموضوع تحت عنوان: باب ما جاء في آلة اللهو فقد أسهب في عرض حججهما وناقشها.. فقال بعد ذكر الأحاديث الواردة في التحريم وشرحها وكلام أهل العلم حولها قال: وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها، فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف. وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع، وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره، وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي، وقال إمام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم نقل أثبات المؤرخين أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل عليه والي جنيه عود فقال ما هذا يا صاحب رسول الله فناوله إياه فتأمله ابن عمر فقال هذا ميزان شامي قال ابن الزبير يوزن به العقول. وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع سنده إلى ابن سيرين قال: إن رجلا أتى المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا، قال انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال من هو قال عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال لها خذي العود فأخذته فغنت فبايعه، ثم جاء إلي ابن عمر إلى آخر القصة. وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة منها حديث أبي مالك وأبي عامر المذكور في أول الباب وأجاب عنها المجوزون بأجوبة طويلة. لا يتسع المقام لذكرها
ثم عقب على ذلك بقوله: وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حال حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وبإمكانك أن تطلع على المبحث بكامله في الجزء الثامن تحت العنوان المشار إليه.
ولا يخفى بعد ما ذكر أن أدلة المانعين أرجح من أدلة المجيزين.
والله أعلم.