الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهب جمهور العلماء أن الماء المستعمل في طهارة واجبة طاهر في نفسه غير طهور ـ أي غير مطهر لغيره ـ فلا يجوز استعماله في الطهارة، وذهب بعض العلماء إلى طهوريته ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من المحققين ـ وقول الجمهور أحوط، والخروج من الخلاف مهما أمكن أمر حسن، ولتراجع الفتاوى التالية أرقامها ففيها مزيد بسط وتفصيل: 140654، 136117، 64017.
وتفريعا على قول الجمهور فإننا نبين أن مخالطة الماء المستعمل إذا كان يسيرا للماء الطهور لا تسلبه الطهورية لأن ذلك مما يكثر ويشق الاحتراز منه، وبه يتبين أن من كان يتوضأ ثم تساقطت قطرات من الماء الذي غسل به وجهه فاختلطت بالماء الذي يغسل به يديه، فإن ذلك لا يضر، قال ابن قدامة ـ رحمه الله: وإن كان الواقع في الماء ماء مستعملا عفي عن يسيره، قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: الرجل يتوضأ فينضح من وضوئه في إنائه؟ قال: لا بأس به، قال إبراهيم النخعي: لا بد من ذلك ـ ونحوه عن الحسن، وهذا ظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم كانوا يتوضؤون من الأقداح والأتوار ويغتسلون من الجفان، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وميمونة من جفنة فيها أثر العجين، واغتسل هو وعائشة من إناء واحد تختلف أيديهما فيه كل واحد منهما يقول لصاحبه: أبق لي، ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء، وإن كثر الواقع وتفاحش منع على إحدى الروايتين، وقال أصحاب الشافعي: إن كان الأكثر المستعمل منع، وإن كان الأقل لم يمنع. انتهى.
ونبين ـ أيضا ـ أن بدن المغتسل كالعضو الواحد، والماء لا يحكم بكونه مستعملا إلا إذا انفصل عن العضو، ومن ثم، فإن المغتسل حين يصب الماء على بدنه لا يحكم بكون الماء المتساقط من أعلى البدن إلى أسفله مستعملا لكونه لم ينفصل عن العضو، قال النووي ـ رحمه الله: حكم الاستعمال إنما يثبت بعد الانفصال عن العضو، وبدن الجنب كعضو واحد، ولهذا لا ترتيب فيه. انتهى مع حذف يسير.
وبهذا يندفع ما ورد في السؤال من إشكالات ويظهر أن مذهب الجمهور لا يرد عليه ما ذكر من المسائل ـ والحمد لله.
والله أعلم.