الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأسير إذا صار بأيدي الأعداء فإن كانت المسافة التي يقطعها معهم من بلده إلى حيث محبسه دون مسافة القصر فإنه لا يترخص بشيء من رخص السفر لكونه لا يعد مسافراً والحال هذه، وأما إن كانت المسافة التي يقطعها معهم تبلغ المسافة المبيحة للترخص فالراجح أيضاً أنه إذا كان داخل حصونهم فإنه يتم الصلاة وله أحكام المقيم فلا يترخص بشيء من رخص السفر، فلا يجوز له الفطر، ويمسح على الخف يوماً وليلة كما يفعل المقيم، وفي وجه عند الحنابلة أنه يترخص برخص السفر كالمحبوس ظلماً.
ولكن القول الأول أكثر قائلاً وأحوط للدين، وأبرأ للذمة.
جاء في حاشية الدسوقي: الأسير بدار الحرب يتم ما دام مقيماً بها. انتهى.
وفي مواهب الجليل: وفي الموطأ: سئل مالك عن صلاة الأسير؟ فقال: مثل صلاة المقيم. انتهى.
هذا في الأسير المقيم..
قال في المدونة: ويتم الأسير بدار الحرب إلا أن يسافر به فيقصر. انتهى.
وقال في المغني: ... وإن خرج الإنسان إلى السفر مكرهاً كالأسير فله القصر إذا كان سفره بعيداً، نص عليه أحمد، وقال الشافعي: لا يقصر لأنه غير ناو للسفر ولا جازم به فإن نيته أنه متى أفلت رجع. ولنا: أنه مسافر سفراً بعيداً غير محرم فأبيح له القصر كالمرأة مع زوجها والعبد مع سيده إذا كان عزمهما أنه لو مات أو زال ملكهما رجع وقياسهم منتقض بهذا. إذا ثبت هذا فإنه يتم إذا صار في حصونهم نص عليه أيضاً لأنه قد انقضى سفره، ويحتمل أنه لا يلزمه الإتمام لأن في عزمه أنه متى أفلت رجع فأشبه المحبوس ظلماً. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: الأسير المسلم في أيدي الكفار إن عزم على الفرار من الأسر عند التمكن من ذلك وكان الكفار أقاموا به في موضع يريدون المقام فيه المدة التي تعتبر إقامة، ولا تقصر بعدها الصلاة، لزمه أن يتم الصلاة، لأنه مقهور في أيديهم، فيكون المعتبر في حقه نيتهم في السفر والإقامة، لا نيته. انتهى.
وبه تعلم أن الواجب على المأسورين في هذه السجون فك الله أسرهم هو ما يجب على المقيم وأنه ليس لهم أن يترخصوا بشيء من رخص السفر.
والله أعلم.