الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
وقد سبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 95579، على أن التمثيل إذا كان مشتملاً على قراءة القرآن فإن الأمر يكون أشد خطراً وأعظم أثراً، فإنه قد ينشأ عنه ما يوحي بعدم احترام القرآن، والإتيان به في غير موطن الجد لا يؤمن أن يكون داخلاً في الاستهزاء به، والقرآن الكريم إنما نزل ليعمل به ويتدبر.
وأما تمثيل آيات القرآن الكريم المتعلقة بأهوال يوم القيامة ومشاهدة العظام فهذا فيه محاذير كثيرة فهو أولى بالمنع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة، ونار كأنها تمثل النار؟ فأجاب: هذا لا يجوز؛ لأننا لا نعلم كيفية ذلك، كما قال عز وجل: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة: 17}. ولا يعلم كيفية النار، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءا بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها وما هو أشد، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع، ولهذا بلغ من يفعل ذلك أن هذا حرام، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدؤوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة. اهـ.
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك: حقائق الغيب من الماضي والحاضر والمستقبل لا يمكن تصورها فضلا عن تصويرها ! ومن ذلك: أحوال القيامة كالبعث والصراط والميزان، وما يسبق ذلك من النفخ في الصور، وما ينشأ عنه من فزع وصعق وتغيرات في العالم العلوي والسفلي وما يصاحب ذلك من أهوال. اهـ.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السحيم بعض المحاذير من وراء تمثيل مشاهد القيامة فذكر منها:
1) تصوير الأمور الغيبية بصورة مُشاهَدة، والأمور الغيبية لا عَهد للإنسان بها، فكيف يُصوّرها أو يتخيّلها.
2) تَجرئة السفهاء على تمثيل الجنة والنار، بل قد تجرأ بعض السفهاء على تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم وتمثيل جبريل عليه الصلاة والسلام.
3) ما في هذا من الاستهزاء والاستخفاف بأهوال يوم القيامة أو بأمور الآخرة.
4) ذهاب هيبة ذلك اليوم من النفوس، وقد جَعَل الله لذلك اليوم هيبته، وساق به النفوس، فإن الله لما ذَكَر الربا قال بعد ذلك: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وتكرر في السنة النبوية كثيرا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر..." كل ذلك لكي يبقى لذلك اليوم هيبته في النفوس، ولكي ترتدع وتَنْزَجِر النفوس الجامحة، إذا علِمتْ أن هناك يوم آخر فيه جزاء وحساب وطول وقوف وأهوال وأحوال لا يَعلم حقيقتها إلا الله. والعلماء إذا تكلّموا في أحاديث الوعيد أجروها على ظاهرها، لأنهم يَرون أن هذا أردع وأبلغ في النفوس. هذا وهو تفسير للنّصّ وشرح للمعنى، فكيف به وهو تمثيل وتجسيد ليوم القيامة. انتهى.
فلوجود هذه المحاذير وغيرها يتوجه القول بالمنع من تمثيل مشاهد يوم القيامة وغيرها من الغيبيات.
والله أعلم.