الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجبنا عن سؤالك في الفتوى رقم: 140219، وذكرنا لك حكم ما تود الإقدام عليه، وإنما أحلناك إلى فتاوى سابقة لتقف على مزيد تفصيل، أما الحكم فقد ذكر: وهو أن حرمة التأمين التجاري ليس لما فيه من الغرر فحسب، بل لما فيه ـ كذلك ـ من الربا والمقامرة والرهان والضرر وأكل المال بالباطل، وبالتالي، فلا يجوز الإقدام عليه اختياراً، لكن من أكره عليه ولم يستطع التخلص منه ولو بالحيلة فيسعه ما يسع المكره، فيجوز له الدخول فيه ويكون الإثم على من أكرهه، لكن يجب عليه أن يقتصر من ذلك التأمين المحرم على الحد الأدنى المقبول منه قانوناً، لأن الضرورة تقدر بقدرها، كما أنه ليس له أن يأخذ منه إلا بقدر ما اشتركت به، وأما ما زاد على ذلك فلا حق له فيه وإن دفع إليه فليتخلص منه بصرفه في مصالح المسلمين وليدفعه إلى الفقراء والمساكين.
ونرى أن حالتك من هذا القبيل بناء على ما ذكرت في السؤال، حيث إنك مجبر بالقانون على التأمين على تجارتك وما تود الدخول فيه من المعاملات المباحة وقد عمت البلوى بهذا التأمين، فلا حرج عليك فيه، لكن وفق الضوابط المبينة سابقاً، ولا يعتبر هذا سبباً يوجب عليك مفارقة البلاد التي تقيم فيها إن كنت تستطيع أداء شعائر دينك وفعل ما افترض عليك من واجبات شرعية وإظهارها وآمن من الفتنة في ذلك، وكذلك الحكم في حق غيرك من المسلمين المقيمين بمثل تلك البلاد، فالهجرة إنما تجب عند العجز عن إظهار شعائر الدين وأداء فرائضه وخشية الفتنة في ذلك، كالمرأة إذا منعت من حجابها الشرعي وفرض عليها خلعه مطلقاً، وكذا لو منع المسلم من أداء الصلاة أو الصيام أو الزكاة ونحو ذلك من فرائض الإسلام وشرائعه، جاء في روضة الطالبين من كتب الشافعية، والمغني من كتب الحنابلة ما ملخصه: أن المسلم إن كان قادراً على إظهار دينه في دار الكفر ولم يخف الفتنة في الدين فالهجرة في حقه غير واجبة.
والله أعلم.