الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجب على المرء أن يُشعر نفسه بالمعاناة ويعذبها بذلك، فإن الله تعالى غني عن تعذيب المرء لنفسه، بل ينبغي أن يسعى في عافيتها، ويسأل ربه ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية. متفق عليه. ويكفيه أن يصبر عند طروء المصيبة وحدوثها فله في ذلك الأجر العظيم.
هذا ، وقد نص بعض أهل العلم على أن السالي عن مصابه بطول الأيام وبعد العهد لا أجر له، مستدلين على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى. متفق عليه.
قال البغوي في (شرح السنة): يريد أن الصبر المحمود والمأجور عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة؛ لأنه إذا طالت الأيام وقع السلو طبعا ، فلم يؤجر. اهـ.
وقال السندي في حاشيته على ابن ماجه: الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ويثاب عليه فاعله، بل الأجر ما كان إلا منه ـ عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على مدى الأيام يسلو أو ينسى. اهـ.
وقال ابن بطال في (شرح صحيح البخاري): السالي عن مصابه لا يستحق اسم الصبر على الحقيقة، لأنه آثر السلو على الجزع واختاره، وإنما الصابر على الحقيقة من صبر نفسه وحبسها عن شهوتها وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذي فيه راحة النفس وإطفاء لنار الحزن. اهـ.
وقال ابن حجر في (فتح الباري): إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر ... وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره. اهـ.
والمقصود أن السائل يكفيه صبره عند صدمته الأولى، ولا يطلب منه أن يتكلف تجديد مصابه واستذكاره، ولكنه إذا تذكره بغير تكلف فتجدد حزنه فحمد الله واسترجع لا شك أنه مأجور، وقد روي في خصوص ذلك حديث لا يصح، ولفظه: من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب. رواه ابن ماجه، وقال البوصيري في (مصباح الزجاجة): فيه هشام بن زياد، وهو ضعيف ... وقد اختلفت النسخ هل هو: عن أبيه، أو عن عمه. ولا يعرف لهما حال اهـ. والحديث أشار المنذري لضعفه وضعفه الألباني جدا.
والله أعلم.