الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداءة نبين لك أنه لا يجب على المسلم في يومه وليلته سوى الصلوات الخمس، فلا يجب شيء من النوافل، ومن تركها جميعها لم يكن عليه إثم، وإنما يفوته الفضل العظيم المترتب على المحافظة عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال إنه لا يزيد على الخمس ولا ينقص منها: أفلح إن صدق.
فأنت لو حافظت على الفرائض فلم تنقص منها شيئا رجي لك أن تكون مصحوبا بتوفيق الله تعالى ومعونته، والذي نرشد إليه هو الأخذ بالقسط الممكن من النوافل، إذ فيها جبر خلل الفرائض، ولها من الفضل ما لها، وبقليل من الموازنة بين الوظائف وشيء من تنظيم الوقت يسهل على المسلم أن يجمع بين ما هو منوط به من أمر دنياه من دراسة ونحوها، وبين الحفاظ على ما يتقرب به إلى ربه تعالى من نوافل العبادات، وقد يلبس الشيطان على كثير من الناس أنهم مشتغلون بما هو أهم فلا ضير لو قصروا في تلك النوافل ولم يحافظوا عليها، وهو إنما يريد أن يحرمهم بذلك من الخير ويفوته عليهم، في حين أن الواقع شاهد بأن جميع أوقات هذا الشخص ليست مستغرقة في مهمته المنوطة به.
فالذي ينبغي هو الحذر من خداع النفس وتلبيس الشيطان، وأما الدراسة فإنها إن كانت بقصد حسن ونية صالحة رجي أن تكون طاعة لله عز وجل يؤجر عليها صاحبها، ومع ذا فالجمع بين الطاعات ما أمكن أولى من تقديم بعضها على بعض.
ثم تنبه إلى أن العلم الذي تعلمه فرض هو العلم بما يجب على المسلم تعلمه من أحكام الشرع.. وأما علوم الدنيا فقد يدخل بعضها في فرض الكفاية بحسب حاجة المسلمين له، وانظر لبيان العلم الذي وردت بمدحه النصوص الفتوى رقم: 130017.
فهذا النهج الذي أرشدناك إليه من الموازنة بين الوظائف والجمع بينها ما أمكن هو الأولى والأحرى، وهو الذي ينبغي أن تعتمده في كل وقت، وفي العشر الأواخر من رمضان ينبغي أن تزيد حصة العبادة ويكثر نصيبها لما لهذه العشر من الفضل العظيم، فخذ من العبادة في هذا الموسم الفاضل ما تتحقق به مصلحتك ولا يتنافى مع مقصودك ولا يعود عليك بضرر، وإذا استعنت بالله تعالى بارك لك في وقتك، وأعانك على التحصيل في يسير من الزمن، ووفقك للجمع بين هذه المقاصد المختلفة.
والله أعلم.